قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ: وَيَحْرُمُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى حَدٍّ أَوْ مُنْكَرٍ اُرْتُكِبَ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ أَنَّ تَعْطِيلَ الْحَقِّ بِمَالٍ يُؤْخَذُ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ سُحْتٌ خَبِيثٌ، وَلَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ» ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ رَفْعِهِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ بِلَا تَفْصِيلٍ.
(تَتِمَّةٌ) قَالَ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ إذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِحَضْرَتِي أَوْ شَتَمَهُ فَأَرَادَنِي أَنْ أَشْهَدَ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ؟ قَالَ إنْ خَافَ أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ لَمْ يَشْهَدْ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَهِدَ.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: لَعَلَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْأَمْرِ يَرْفَعُهُ يَعْنِي مَعَ إقَامَتِهِ لِلْحَدِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدٍّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَهَا. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ رَفْعَهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ مُبَاحٌ، وَرَفْعَهُ لِأَجْلِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ أَمْنِ الْحَيْفِ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
إذَا لَمْ يَخَفْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ حَيْفَهُ ... إذَا كَانَ ذَا الْإِنْكَارُ حَتْمَ التَّأَكُّدِ
(إذَا) أَيْ إنَّمَا يَرْفَعُهُ إلَى نَافِذِ الْأَمْرِ حَيْثُ (لَمْ يَخَفْ) الرَّافِعُ عِلْمَ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ (فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ) الَّذِي رَفَعَهُ إلَيْهِ (حَيْفَهُ) أَيْ جَوْرَهُ وَظُلْمَهُ. وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَإِنْ خَافَ جَوْرَهُ وَظُلْمَهُ بِأَنْ عَاقَبَهُ أَزْيَدَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَالًا لَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَدْ نَصَّ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ إنْ تَعَدَّى فِيهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ، قَالَ: مَرَّ بِنَا سَكْرَانُ فَشَتَمَ رَبَّهُ. فَبَعَثْنَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَسُولًا وَكَانَ مُخْتَفِيًا فَقُلْنَا أَيْشٍ السَّبِيلُ فِي هَذَا، سَمِعْنَاهُ يَشْتُمُ رَبَّهُ، أَتَرَى أَنْ نَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ؟ فَبَعَثَ إلَيْنَا: إنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ أَخَافُ أَنْ لَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، وَلَكِنْ أَخِيفُوهُ حَتَّى يَكُونَ مِنْكُمْ شَبِيهًا بِالْهَارِبِ، فَأَخَفْنَاهُ فَهَرَبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute