وَقْفُهُ، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ إذَا لَمْ يَصِحَّ خِلَافُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ مَعْمُولٌ بِهِ.
(الْعَاشِرُ) قَالَ حَرْبٌ: قُلْت لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَيْفَ نَكْتُبُ فِي عِنْوَانِ الْكِتَابِ؟ قَالَ تَكْتُبُ إلَى أَبِي فُلَانٍ وَلَا تَكْتُبُ لِأَبِي فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى إذَا كَتَبْت لِأَبِي فُلَانٍ. وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ عِنْوَانَ الْكِتَابِ إلَى أَبِي فُلَانٍ وَقَالَ هُوَ أَصْوَبُ مِنْ أَنْ يَكْتُبَ لِأَبِي فُلَانٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ: كَتَبَ إلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ إلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَاءٌ، وَالسُّلْطَانُ دَاءٌ، وَالْعَالِمَ طَبِيبٌ، فَإِذَا رَأَيْت الطَّبِيبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ فَاحْذَرْهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: كَانَتْ كُتُبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الَّتِي يَكْتُبُ بِهَا إلَى فُلَانٍ، فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَكَتَبَ كُلَّمَا كَتَبَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ كَتَبَ إلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، وَهَذَا الَّذِي يُكْتَبُ الْيَوْمَ لِفُلَانٍ مُحْدَثٌ لَا أَعْرِفُهُ.
قُلْت فَالرَّجُلُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، قَالَ أَمَّا الْأَبُ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَهُ بِاسْمِهِ وَلَا يَبْدَأَ وَلَدٌ بِاسْمِهِ عَلَى وَالِدٍ وَالْكَبِيرُ السِّنُّ كَذَلِكَ يُوَقِّرُهُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ وَفِي مَعْنَى كِبَرِ السِّنِّ الْعِلْمُ وَالشَّرَفُ قَالَ فِي الْآدَابِ وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِمُرَاعَاةِ شَيْخٍ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَتَرْكِ عَالَمٍ صَغِيرِ السِّنِّ.
قَالَ وَلَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يُخَالِفُ هَذَا النَّصَّ صَرِيحًا وَلَعَلَّ ظَاهِرَ حَالِهِ اتِّبَاعُ طَرِيقِ مَنْ مَضَى فِي بُدَاءَةِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَذَكَّرْت هُنَا أَبْيَاتًا أَحْبَبْت ذِكْرَهَا. كَتَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا لَفْظُهُ:
قَالُوا يَزُورُك أَحْمَدُ وَتَزُورُهُ ... قُلْت الْفَضَائِلُ لَا تُفَارِقُ مَنْزِلَهْ
إنْ زَارَنِي فَبِفَضْلِهِ أَوْ زُرْتُهُ ... فَلِفَضْلِهِ فَالْفَضْلُ فِي الْحَالَيْنِ لَهْ
فَأَجَابَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
إنْ زُرْتنَا فَبِفَضْلٍ مِنْك تَمْنَحُنَا ... أَوْ نَحْنُ زُرْنَا فَلِلْفَضْلِ الَّذِي فِيكَا
فَلَا عَدِمْنَا كِلَا الْحَالَيْنِ مِنْك وَلَا ... نَالَ الَّذِي يَتَمَنَّى فِيك شَانِيكَا