للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ. فَإِنْ تَفْعَلْ مِنْ مُصَافَحَةِ مَنْ تَلْقَاهُ (تُنَاثَرْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَالْأَصْلُ تَتَنَاثَرُ وَهُوَ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ.

وَالتَّنَاثُرُ مِنْ النَّثْرِ يُقَالُ نَثَرَ الشَّيْءَ يَنْثُرُهُ وَنَثَرَهُ نَثْرًا وَنِثَارًا رَمَاهُ مُتَفَرِّقًا كَنَثَرَهُ فَتَنَاثَرَ وَالْمَعْنَى تَتَسَاقَطُ (خَطَايَاكُمْ) جَمْعُ خَطِيئَةٍ. وَهِيَ الذَّنْبُ أَوْ مَا يُتَعَمَّدُ مِنْهُ كَالْخِطْءِ بِالْكَسْرِ وَالْخَطَأِ مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ، وَالْمُرَادُ هُنَا: مُطْلَقُ الذُّنُوبِ الْعَمْدِ وَغَيْرِهَا، وَأَرَادَ خَطَايَا الْمُتَصَافِحَيْنِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) يَعْنِي أَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا (كَمَا فِي) الْحَدِيثِ (الْمُسَنَّدِ) مُخَفَّفًا وَشَدَّدَهُ ضَرُورَةً لِلْوَزْنِ.

وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَخْبَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» .

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ - تَعَالَى - وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا» . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْضُرَ دُعَاءَهُمَا وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى يَغْفِرَ لَهُمَا» .

وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا، وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ» وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ حُذَيْفَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُصَافِحَهُ فَتَنَحَّى حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إنِّي كُنْت جُنُبًا فَقَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتَّ وَرَقُ الشَّجَرِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>