شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ تَقُولُ يَا رَبِّ إنِّي قُطِعْت، يَا رَبِّ إنِّي أُسِيءَ إلَيَّ، يَا رَبِّ إنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ، فَيُجِيبُهَا أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالْبَزَّارُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّ هَذِهِ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ قَطَعَهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» قَوْلُهُ «شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي قَرَابَةٌ مُشْتَبِكَةٌ كَاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ، وَمِنْهَا لُغَتَانِ كَسْرُ الشِّينِ وَضَمُّهَا وَإِسْكَانُ الْجِيمِ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّازُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الرَّحِمُ حَجَنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلِقٍ اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنِّي شَقَقْت الرَّحِمَ مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ» قَوْلُهُ حَجَنَةٌ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ صِنَّارَةُ الْمِغْزَلِ، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الْخَيْطُ ثُمَّ يُفْتَلُ الْغَزْلُ.
وَقَوْلُهُ بِلِسَانٍ ذَلِقٍ. الذَّلِقُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَفَرِحَ وَنَصَرَ وَكَرُمَ أَيْ حَدِيدٌ بَلِيغٌ بَيْنَ الذَّلَاقَةِ، وَلِسَانٌ ذَلِقٌ: طَلْقٌ.
وَقَوْلُهُ «مَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ» أَيْ مَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ. قَوْلُ النَّاظِمِ (حَتَّى لِكَاشِحٍ) حَتَّى حَرْفٌ لِلْغَايَةِ وَالتَّدْرِيجِ أَمَّا الْغَايَةُ فَبِأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ يَنْقَطِعُ الْحُكْمُ عِنْدَهَا، وَأَمَّا التَّدْرِيجُ فَبِأَنْ يَنْقَضِيَ مَا قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغَايَةَ، وَلِذَا اُعْتُبِرَ فِي الْمَعْطُوفِ أَنْ يَكُونَ بَعْضًا مِمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي قَوْلِ النَّاظِمِ حَتَّى لِكَاشِحٍ، فَإِنَّ ذَا الرَّحِمِ الْكَاشِحِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، إذْ عَدَاوَتُهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ أَوْ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
لِأَنَّ الْمُرَادَ أَلْقَى مَا يُثْقِلُهُ حَتَّى انْتَهَى الْإِلْقَاءُ إلَى نَعْلِهِ.
فَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ حَتَّى عَلَى الْكَاشِحِ وَهُوَ الَّذِي يُضْمِرُ عَدَاوَتَهُ فِي كَشْحِهِ وَهُوَ خَصْرُهُ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومَ بِنْتِ عُقْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute