للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاتَّخَذُوا النُّورَةَ وَالْحَمَّامَ، فَلَمَّا دَخَلَهُ وَجَدَ حَرَّهُ وَغَمَّهُ، فَقَالَ أَوَّاهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّاهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا.

قُلْت وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَهُ الْأُسْتَاذُ كالبيمارستان. قَالَهُ ابْنُ جِبْرِيلَ، اسْتَفَادَهُ مِنْ شَخْصٍ دَخَلَ غَارًا وَسَقَطَ فِي مَاءٍ حَارٍّ مِنْ الْكِبْرِيتِ وَبِهِ تَعْقِيدٌ مِنْ الْعَصَبِ فَزَالَ، فَحَدَّثَ الْحَكِيمُ أَنَّ إسْخَانَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ يُسَخَّنُ فِيهِ الْهَوَاءُ جَيِّدٌ فَأَحْدَثَهُ.

قَالَ هَذَا الطَّبِيبُ: وَأَفْضَلُ الْحَمَّامِ مُطْلَقًا حَمَّامٌ عَالٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْبِنَاءِ لِئَلَّا يُحْضِرَ الْأَنْفَاسَ الْمُخْتَلِفَةِ فَيَفْسُدَ بِهَا وَيَنْحَلَّ الْهَوَاءُ فِيهِ بِسُرْعَةٍ بَعْدَ تَحَلْحُلٍ وَانْبِسَاطٍ، وَيُلَطَّفُ الْبُخَارُ الصَّاعِدُ إلَى الْأَعْلَى كَمَا تُشَاهِدُهُ مِنْ قُبَّةِ الْأَنْبِيقِ، فَإِنْ اتَّسَعَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ أَقْوَى فِي تَفْرِيقِ الْهَوَاءِ وَتَلْطِيفِهِ وَقَبُولِهِ التَّكَيُّفَ فِيمَا ذُكِرَ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَ عَهْدُهُ وَقَدُمَ بِنَاؤُهُ لِفَسَادِ الْجَدِيدِ بِأَبْخِرَةِ الْأَحْجَارِ وَالطِّينِ وَعُفُونَةِ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ فِي أَجْزَائِهِ وَبَرْدِهِ.

قَالَ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَمَّامِ الْقِدَمُ إلَّا بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَايَةً خُصُوصًا إنْ عَذُبَ مَاؤُهُ وَلَطُفَ هَوَاؤُهُ وَأَحْكَمَ صَانِعُهُ مِزَاجَهُ. وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَسْلَخُهُ لَطِيفَ الصَّنْعَةِ وَاسِعَ الْفَضَاءِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ دَاخِلُهُ عَلَى الْبُيُوتِ الْكَثِيرَةِ الرُّطُوبَةِ اللَّطِيفَةِ أَوَّلًا وَلْيَكُنْ دُخُولُهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَنْ يَمْكُثَ أَوَّلًا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى يَأْلَفَ الْهَوَاءَ الْحَارَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَوَّلَ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا يَدْخُلُ الثَّالِثَ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّهُ مُجَفِّفٌ قَوِيُّ التَّحْلِيلِ وَيُقَدِّمُ يَسَارَهُ فِي الْحَمَّامِ وَالْمُغْتَسَلِ دُخُولًا.

وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَإِبْطَيْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ عِنْدَ دُخُولِهِ وَيَلْزَمُ الْحَائِطَ، وَيَقْصِدُ مَوْضِعًا خَالِيًا وَيُقَلِّلُ الِالْتِفَاتَ وَلَا يُطِيلُ الْمُقَامَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الصُّدَاعَ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مِنْهَاجِ الْقَاصِدِينَ: يُكْرَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ قَرِيبًا مِنْ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِانْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ. انْتَهَى.

وَفِي الْإِقْنَاعِ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ.

وَكَرِهَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَاءَ الْحَمَّامِ وَبَيْعَهُ وَإِجَارَتِهِ وَشِرَاءَهُ وَقَالَ: الَّذِي يَبْنِي حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ لَيْسَ بِعَدْلٍ.

وَعُمْدَةُ الْحَمَّامِ الدَّلْكُ وَالدَّهْنُ وَالِانْتِقَاعُ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِاعْتِدَالٍ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ. وَأَفْضَلُ الِانْتِقَاعِ مَا كَانَ فِي الْأَبَازِينِ يَعْنِي الْمَغَاطِسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>