وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِخُرُوجِهَا عَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ لَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّفَهُّمِ. وَأَبَاحَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ لِلْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلرِّقَّةِ وَإِثَارَةِ الْخَشْيَةِ وَإِقْبَالِ النُّفُوسِ عَلَى اسْتِمَاعِهِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِصِفَةِ التَّلَحُّنِ الَّذِي يُشْبِهُ تَلَحُّنَ الْغِنَاءِ مَكْرُوهٌ مُبْتَدَعٌ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَفِي الْإِقْنَاعِ: فَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا أَيْ الْأَلْحَانِ تَغَيُّرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَجَعْلُ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا حُرِّمَ.
وَلَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ «لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ تَحْسِينُ قِرَاءَتِهِ وَتَرَنُّمِهِ بِهِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ يَتَغَنَّى بِهِ. .
وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَسْوَاقِ يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُهَا بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ. وَرَفْعَ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةٍ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا يُغَلِّطُ أَصْحَابَهُ وَهُمْ يُصَلُّونَ» .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مَنْ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ تَطَوَّعَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ جَهْرًا يَشْغَلُهُمْ بِهِ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ السَّحَرِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآدَابِ أَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ أَوْ نِيَامٍ أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ.
(الثَّانِيَةُ) : يُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَإِعْرَابُهَا وَتَمْكِينُ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةَ السَّهْلَةَ. وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيْك التَّرَسُّلُ أَوْ السُّرْعَةُ؟ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، قَالُوا لَهُ فِي السُّرْعَةِ قَالَ إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْهِجَاءِ.
قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute