الْقَيْدَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْآكِلُ وَحْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْآدَابِ الْكُبْرَى تَأْبَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك فَكُلْ مِمَّا يَلِيك. وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَأْكُلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِمَّا يَلِيه. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالطَّعَامُ نَوْعٌ وَاحِدٌ. قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ أَيْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيه، وَهُوَ وَحْدَهُ انْتَهَى. وَدَلِيلُ كَرَاهَةِ جَوَلَانِ الْيَدِ فِي الطَّعَامِ «قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ كُلْ مِمَّا يَلِيك» أَخْرَجَاهُ.
فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا فَلَا بَأْسَ فَاَلَّذِي ... نَهَى فِي اتِّحَادٍ قَدْ عَفَا فِي التَّعَدُّدِ
(فَإِنْ كَانَ) الْآكِلُ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ وَكَانَ الطَّعَامُ (أَنْوَاعًا فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي جَوَلَانِ الْيَدِ حِينَئِذٍ (فَاَلَّذِي نَهَى) النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَوَلَانِ الْيَدِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ (فِي اتِّحَادٍ) أَيْ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَ (قَدْ عَفَا) عَنْ جَوَلَانِ الْيَدِ (فِي) أَيْ مَعَ (التَّعَدُّدِ) فِي أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ التَّمِيمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَأَتَيْنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الطَّعَامِ، وَالْوَدَكِ فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلْت أَخْبِطُ فِي نَوَاحِيهَا فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ رُطَبٍ، أَوْ تَمْرٍ شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ قَالَ عِكْرَاشٌ: فَجَعَلْت آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت، فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِبَلِّ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عِكْرَاشُ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ مَجْهُولٌ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَثْبُتُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute