للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَاضٍ عَنْهَا بِالتَّوَانِي فِي الْمُجَاهَدَةِ.

فَأَمَّا مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَك فِيهَا فَكُنْ رَاضِيًا بِهَا. انْتَهَى.

مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الشُّكْرُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَعْلَى مَنْزِلَةً مِنْ الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَهُوَ أَنْ نَرَى الْمِحْنَةَ مِنْحَةً.

وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَتِك إلَى الْفَاعِلِ، وَأَنَّك تُقَدِّمُ رِضَاهُ وَمَا يَرْضَاهُ عَلَى رِضَاك.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ شَأْنُهُ إذَا ابْتَلَى عَبْدَهُ لَمْ يُرِدْ هَلَاكَهُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ إمَّا تَمْحِيصَ ذُنُوبِهِ، وَإِمَّا لِيَنَالَ مَنْزِلَةً لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، فَمَنْعُهُ عَطَاءٌ، وَابْتِلَاؤُهُ رِضًا.

وَالْمِحْنَةُ مِنْهُ مِنْحَةٌ.

فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: ٧] وَفِي كِتَابِ الشُّكْرِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: حُدِّثْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَعَامِهِ وَحَمِدَهُ عَلَى آخِرِهِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْ نَعِيمِ ذَلِكَ الطَّعَامِ.

وَفِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ صَابِرًا شَاكِرًا، وَمَنْ لَمْ يَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا شَاكِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ صَابِرًا شَاكِرًا وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا شَاكِرًا» .

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سُنْجِرَةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ بِمُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَزْنِ مُسْلِمَةٍ مَرْفُوعًا «مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ، أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» .

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إحْسَانَ النَّاسِ، وَيَكْفُرُ أَمْرَهُمْ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عَادَتُهُ وَطَبْعُهُ كُفْرَانَ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكَ شُكْرِهِ لَهُمْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ كَانَ كَمَنْ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>