للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَائِزٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يَقُومَ.

وَالسُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُسَدَّ الصَّفُّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، قَالَ يَسُدُّونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» فَمَنْ سَبَقَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ.

وَلَوْ سَبَقَ إلَى سَارِيَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُصَلِّي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى السَّارِيَةِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ.

وَلَوْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَحَقُّ بِمُعْتَكَفِهِ مَا دَامَ مُعْتَكِفًا، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْجِدِ.

وَلَوْ احْتَاجَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي اعْتِكَافِهِ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ مِثْلَ الْحُجْرَةِ الَّذِي احْتَجَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَانَ يَعْتَكِفُ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا، بَلْ كَانَ السَّلَفُ يَنْصِبُونَ الْخِيَامَ فِي الْمَسَاجِدِ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ مُدَّةَ إقَامَةٍ مَشْرُوعَةٍ، كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَفْدِ ثَقِيفٍ أَنْ يَنْزِلُوا بِالْمَسْجِدِ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ وَأَقْرَبَ إلَى دُخُولِ الْإِيمَانِ فِيهَا، وَكَمَا مَرِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِعِيَادَتِهِ وَكَالْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِيهِ، أَيْ وَالْحِفْشُ - كَمَا فِي الْمَطَالِعِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ - الدَّرَجُ وَجَمْعُهُ حِفَاشٌ. وَفِي الْحَدِيثِ «هَلَّا جَلَسَ فِي حِفْشِ أُمِّهِ أَيْ بَيْتِهَا» . شَبَّهَ بَيْتَ أُمِّهِ فِي صِغَرِهِ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ الْبَيْتُ الْقَرِيبُ السَّمْكِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ الصَّغِيرُ الْخَرِبُ. وَقِيلَ: الْحِفْشُ شَبَهُ الْقُبَّةِ، تَجْمَعُ فِيهِ الْمَرْأَةُ غَزْلَهَا وَسَقَطَهَا، كَالدَّرَجِ يُصْنَعُ مِنْ الْخُوصِ يُشَبَّهُ بِهِ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الْحَقِيرُ. انْتَهَى.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ إلَى سُتْرَةٍ كَخَيْمَةِ سَعْدٍ وَحِفْشِ الْمَرْأَةِ كَانَ جَائِزًا.

فَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَسْكَنًا دَائِمًا وَيَتَّخِذَهُ مَبِيتًا وَمَقِيلًا وَيَخْتَصَّ بِالْحُجْرَةِ اخْتِصَاصَ أَهْلِ الدُّورِ بِدُورِهِمْ دَائِمًا فَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ إخْرَاجِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ.

وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْجُمُعَةِ كَأَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَتَنَازَعَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَإِحْدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>