وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ» إلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَبَيَّنَ أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا عِمَارَةٌ لَهَا، وَهَذَا النَّهْيُ كُلُّهُ لِمَنْ يَقْتَصِرُ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُتَحَجِّرَةِ عَلَى مَا يُشْرَعُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِيهَا الْمَحْظُورَاتِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَمُقَدِّمَاتِ الْفَوَاحِشِ وَتَنَاوُلِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَرِيبُ مُسْلِمٌ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ مَظِنَّةً لِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَدْ شُهِرَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ مُوجِبًا لِحَسْمِ الْمَادَّةِ وَالْمَنْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسَاجِدِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحُدُودِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الصِّيَانَةِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالذَّرَائِعِ كَاتِّقَاءِ مَوَاقِفِ التُّهَمِ «وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا، وَهُوَ مَعَ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» .
وَكَمَا بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا تُجَالِسُهُ الْأَحْدَاثُ فَنَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ.
وَكَمَا نَفَى (نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ) لَمَّا خَافَ افْتِتَانَ النَّاسِ بِهِ.
وَكَمَا نَهَى عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرِ بِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ مُفْسِدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَإِنَّهُ يَنْهَى عَنْهُ شَرْعًا، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالنَّهْيُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، وَتُقْلَعُ هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ، كَمَا قُلِعَ أَمْثَالُهَا فِي جَامِعِ دِمَشْقَ وَجَامِعِ الْحَاكِمِ بِمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ حَتَّى قَلَعَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ مَنْ حَمِدَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَرَأَوْا فِعْلَهُ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنَاتِ وَأَعْظَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute