للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّبْعِينَ إلَى أَنْ يَمُوتَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالشَّيْخِ مَنْ بَانَتْ فِيهِ السِّنُّ، فَنَهَاهُ النَّاظِمُ أَنْ يَنْكِحَ (فَتِيَّةً) وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ إلَى حَدِّ الثَّلَاثِينَ كَالْفَتَى، مِثْلُ الشَّابِّ وَالشَّابَّةِ، فَإِنَّك إنْ نَكَحْت وَأَنْتَ شَيْخٌ شَابَّةً (تَعِشْ) مَعَهَا (فِي ضِرَارِ الْعَيْشِ) مِنْ احْتِمَالِكَ لِمَا يَبْدُو مِنْهَا مِنْ بَذَاذَةِ اللِّسَانِ وَسُوءِ الْعِشْرَةِ وَالتَّبَرُّمِ مِنْك، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَا تَجِدُ عِنْدَك مِنْ بُغْيَةِ النِّسَاءِ وَطِلْبَتِهِنَّ، فَإِنَّ غَايَةَ مَقْصُودِ النِّسَاءِ الْجِمَاعُ الَّذِي عَجَزْت عَنْهُ لِكِبَرِ سِنِّك، فَأَنْتَ فِي سِنِّ الْكِبَرِ وَقَدْ غَلَبَتْ عَلَيْك الْبُرُودَةُ، وَهِيَ فِي سِنِّ الشَّبَابِ وَقَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْحَرَارَةُ وَالشَّبَقُ، فَأَنْتُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ

سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسَارَ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ

(أَوْ) أَيْ إنْ لَمْ تَحْبِسْهَا عَنْ نَيْلِ شَهَوَاتِهَا وَتَقْصُرْهَا عَلَيْك (تَرْضَ بِ) الْفِعْلِ (الرَّدِي) وَهُوَ الزِّنَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ، وَكُنْت حِينَئِذٍ دَيُّوثًا وَالدَّيُّوثُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَخَسِرْت عِرْضَك وَتَنَغَّصَتْ عَلَيْك عِيشَتُك، وَخَسِرْت آخِرَتَك، وَذَلِكَ هُوَ الْخَسْرَانُ الْمُبِينُ.

وَلِذَا قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَمِنْ التَّغْفِيلِ أَنْ يَتَزَوَّجُ شَيْخٌ صَبِيَّةً. وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِ وَأَنَّ نَفْسَهُ تَطْلُبُ مِنْهُ شِرَاءَ الْجَوَارِي الصِّغَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ النِّكَاحَ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْكَبِيرِ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ: يَنْبَغِي لَك أَنْ تَشْتَغِلَ بِذَكَرِ الْمَوْتِ، وَمَا قَدْ تَوَجَّهْت إلَيْهِ، وَأَنْ تَحْذَرَ مِنْ اشْتِرَاءِ جَارِيَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ حَقِّهَا فَإِنَّهَا تَبْغَضُكَ، فَإِنْ أَجْهَدْت نَفْسَك اسْتَعْجَلْت التَّلَفَ، وَإِنْ اسْتَبْقَيْت قُوَّتَك غَضِبَتْ هِيَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُرِيدُ شَيْخًا كَيْفَ كَانَ.

قَالَ: وَقَدْ أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ

أَفِقْ يَا فُؤَادِي مِنْ غَرَامِك وَاسْتَمِعْ ... مَقَالَةَ مَحْزُونٍ عَلَيْك شَفِيقِ

عَلِقْت فَتَاةً قَلْبُهَا مُتَعَلِّقٌ ... بِغَيْرِك فَاسْتَوْثَقْت غَيْرَ وَثِيقِ

فَأَصْبَحْت مَوْثُوقًا وَرَاحَتْ طَلِيقَةً ... فَكَمْ بَيْنَ مَوْثُوقٍ وَبَيْنَ طَلِيقِ

ثُمَّ قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَعُدُّ عَلَيْك الْأَيَّامَ، وَتَطْلُبُ مِنْك فَضْلَ الْمَالِ لِتَسْتَعِدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>