للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِهَانَتِك عِنْدَهَا، وَنَقْصِك فِي عَيْنِهَا، فَإِنْ بَذَلَتْ لَك حَقَّك رَأَتْ أَنَّهَا مَنَحَتْك أَمْرًا لَسْت أَهْلًا لَهُ، بَلْ إنَّمَا أَجَابَتْك إلَى مَا سَأَلْت مِنَّةً مِنْهَا امْتَنَّتْ بِهَا عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ تُجِبْك رَأَتْ أَنَّهَا فَعَلَتْ أَمْرًا هِيَ أَهْلٌ لَهُ مِنْ عَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِك لِعُلُوِّهَا وَنُزُولِكَ.

وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ النَّكَرِ وَتَعَبِ الْخَاطِرِ وَتَنْغِيصِ الْعَيْشِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى ضِدِّ قَصْدِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الِارْتِفَاعَ بِنِكَاحِهَا وَالْمُفَاخَرَةَ بِأَخْذِهَا فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ جَزَاءً وِفَاقًا.

وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُشِيرًا إلَى الْوَصِيَّةِ الثَّالِثَةِ:

وَلَا تَرْغَبَنْ فِي مَالِهَا وَأَثَاثِهَا ... إذَا كُنْت ذَا فَقْرٍ تُذَلُّ وَتُضْهَدْ

(وَلَا تَرْغَبَنْ) نَهْيُ إرْشَادٍ كَنَظَائِرِهِ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (فِي مَالِهَا) أَيْ مَالِ الزَّوْجَةِ الَّتِي تُرِيدُ أَخْذَهَا، فَإِنَّهَا تَتَعَالَى بِهِ عَلَيْك فَتَحْصُلُ عَلَى غَايَةِ الذُّلِّ (وَ) لَا تَرْغَبَنْ فِي أَثَاثِهَا) أَيْ أَثَاثِ الزَّوْجَةِ الَّتِي تُرِيدُ نِكَاحَهَا.

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَثَاثُ مَتَاعُ الْبَيْتِ بِلَا وَاحِدٍ أَوْ الْمَالُ أَجْمَعُ وَالْوَاحِدَةُ أَثَاثَةٌ. انْتَهَى (إذَا كُنْت) أَنْتَ (ذَا) أَيْ صَاحِبَ (فَقْرٍ) أَيْ لَسْت بِغَنِيٍّ فَإِنَّك إنْ تَزَوَّجْت ذَاتَ مَالٍ مَعَ فَقْرِك (تُذَلُّ) لِعَدَمِ فَضْلِك عَلَيْهَا وَتَخَلُّفِك عَنْ تَحْصِيلِ مُرَادَاتِهَا وَافْتِقَارِك لِمَا فِي يَدِهَا، فَبِقَدْرِ قِصَرِ يَدِك يَطُولُ عَلَيْك لِسَانُهَا (وَتُضْهَدْ) أَيْ تُقْهَرْ.

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ضَهَدَهُ كَمَنَعَهُ قَهَرَهُ كَاضْطَهَدَهُ وَأَضْهَدَ بِهِ جَارٍ عَلَيْهِ انْتَهَى.

يَعْنِي أَنَّك مَعَ اتِّصَافِك بِالذُّلِّ يَحْصُلُ لَك أَيْضًا مِنْ الْقَهْرِ وَالْمَهَانَةِ مَا يَحْصُلُ لِلطَّالِبِ مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَانِ وَتَعَدُّدِ الْإِحْسَانِ، فَيُعْكَسُ عَلَيْك الْحَالُ، وَتَحْصُلُ عَلَى الْوَبَالِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْأَفْرِيقِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَيُدَلِّسُ وَقَوَّاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ جَرْبَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>