للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَوْجَتُك بِسَبَبِ كَثْرَةِ إنْكَارِكَ عَلَيْهَا (بِتُهْمَةٍ) فِي نَفْسِهَا.

فَيَقُولُ الْفُسَّاقُ: وَأَهْلُ الْفُجُورِ لَوْلَا أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْهَا الْمَكْرُوهَ لَمَا أَكْثَرَ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهَا.

وَالتُّهْمَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَهْمِ، يُقَالُ اتَّهَمَهُ بِكَذَا اتِّهَامًا، وَاتَّهَمَهُ كَافْتَعَلَهُ وَأَوْهَمَهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ التُّهْمَةَ أَيْ مَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَاتُّهِمَ هُوَ فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَتَهِيمٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

وَفِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ سُلَيْمَانُ، قُلْت: وَالْمَحْفُوظُ فِي التَّوَارِيخِ وَتَرَاجِمِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ دَاوُد لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرْ الْغَيْرَةَ عَلَى أَهْلِك مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ فَتُرْمَ بِالشَّرِّ مِنْ أَجْلِك وَإِنْ كَانَتْ بَرِيئَةً.

قُلْت: وَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُصْطَفَى اللَّبَدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْغَيْرَةِ، فَكَانَ لَا يَدَعُ زَوْجَتَهُ تَغِيبُ عَنْ عَيْنِهِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ إلَى الْحَمَّامِ جَلَسَ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ حَتَّى تَخْرُجَ فَيَذْهَبَا جَمِيعًا، فَضَجِرَتْ مِنْهُ وَتَبَرَّمَتْ وَقَالَتْ: هَذَا أَمْرٌ يَشُقُّ عَلَيَّ وَأَنْتَ فَضَحْتَنِي، فَقَالَ لَهَا لَا تَطِيبُ نَفْسِي إلَّا مَا دُمْت عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَحَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ زَنَتْ.

قَالَ لِي شَيْخُنَا: نَظَرَتْ إلَى فَتًى عَابِرِ سَبِيلٍ فَقَالَتْ لَهُ مِنْ طَاقَةٍ إذَا أَذَّنَ الظُّهْرُ فَكُنْ بِالْبَابِ، فَقَالَ أَفْعَلُ، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْأَذَانِ جَلَسَتْ تَعْجِنُ وَجَلَسَ إلَى جَنْبِهَا، فَلَمَّا صَرَخَ الْمُؤَذِّنُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا فُكَّ تِكَّةَ لِبَاسِي فَقَدْ زَحَمَنِي الْبَوْلُ فَفَعَلَ وَمَسَكَتْ التِّكَّةَ بِأَسْنَانِهَا، وَكَانَ بَيْتُ الْخَلَاءِ بِبَابِ الدَّارِ فَعَمَدَتْ إلَيْهِ فَفَتَحَتْ الْبَابَ فَوَجَدَتْ الْفَتَى فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ثُمَّ مَسَحَتْ ذَلِكَ فِي مِنْدِيلٍ كَانَ مَعَهَا، وَعَمَدَتْ إلَى عَجِينِهَا وَرَمَتْ بِالْمِنْدِيلِ إلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ فَضِيحَتِي، وَجَعْلُك هَذَا دَيْدَنًا، وَوَاللَّهِ مَا هَذَا مِنْ أَرَبِي وَلَكِنْ أَنْتَ الَّذِي حَمَلْتنِي عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكْت سِيرَتَك تَرَكْت أَنَا، وَإِلَّا فَلَا، فَتَرَكَا جَمِيعًا.

هَكَذَا قَالَ لِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحَكَى لِي مِنْ هَذَا الْبَابِ حِكَايَاتٍ عَجِيبَةً وَذَكَرَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ عَنْ ثِقَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَحْمُودُ مِنْ الْغَيْرَةِ صَوْنُ الْمَرْأَةِ عَنْ اخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ آدَابِ النِّسَاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>