قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» .
وَهَذَا الْجَمَالُ يُزَيِّنُ الصُّورَةَ الظَّاهِرَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جَمَالٍ، فَيَكْسُو صَاحِبَهَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ وَالْحَلَاوَةِ بِحَسَبِ مَا اكْتَسَبَتْ رُوحُهُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يُعْطَى مَهَابَةً وَحَلَاوَةً بِحَسَبِ إيمَانِهِ، فَمَنْ رَآهُ هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُودٌ بِالْعِيَانِ، فَإِنَّك تَرَى الرَّجُلَ الصَّالِحَ الْمُحْسِنَ ذَا الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ مِنْ أَحْلَى النَّاسِ صُورَةً وَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ غَيْرَ جَمِيلٍ، وَلَا سِيَّمَا إذَا رُزِقَ حَظًّا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهَا تُنَوِّرُ الْوَجْهَ وَتُحَسِّنُهُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النِّسَاءِ تُكْثِرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ إنَّهَا تُحَسِّنُ الْوَجْهَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَحْسُنَ وَجْهِي.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمَالَ لِلْبَاطِنِ أَحْسَنُ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ تَعْظِيمِ صَاحِبِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالْمَيْلِ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْجَمَالُ الظَّاهِرُ فَزِينَةٌ خَصَّ اللَّهُ بِهَا بَعْضَ الصُّوَرِ عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ مِنْ زِيَادَةِ الْخَلْقِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: ١] قَالُوا هُوَ الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَالصُّورَةُ الْحَسَنَةُ وَالْقُلُوبُ كَالْمَطْبُوعَةِ عَلَى مَحَبَّتِهِ كَمَا هِيَ مَفْطُورَةٌ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ نَعْلُهُ حَسَنَةً وَثَوْبُهُ حَسَنًا أَفَذَلِكَ مِنْ الْكِبْرِ؟ فَقَالَ لَا إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» فَبَطَرُ الْحَقِّ جَحْدُهُ وَدَفْعُهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَغَمْطُ النَّاسِ النَّظَرُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِصْغَارِ لَهُمْ، وَتَقَدَّمَ هَذَا مَبْسُوطًا.
وَالْجَمَالُ الظَّاهِرُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ أَيْضًا عَلَى عِبَادِهِ يُوجِبُ الشُّكْرَ. وَشُكْرُهُ التَّقْوَى وَالصِّيَانَةُ، فَكُلَّمَا شَكَرَ مَوْلَاهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ زَادَهُ اللَّهُ جَمَالًا وَمَنَحَهُ كَمَالًا. وَأَمَّا إنْ بَذَلَ الْجَمَالَ فِي الْمَعَاصِي عَادَ وَحْشَةً وَشَيْنًا كَمَا شُوهِدَ مِنْ عَالَمٍ كَثِيرٍ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ. فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ انْقَلَبَ قُبْحًا وَشَيْنًا يَشِينُهُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ. انْتَهَى.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ الْقَائِلِ:
وَمَا يَنْفَعُ الْفِتْيَانَ حُسْنُ وُجُوهِهِمْ ... إذَا كَانَتْ الْأَفْعَالُ غَيْرَ حِسَانِ
فَلَا تَجْعَلْ الْحُسْنَ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَتَى ... فَمَا كُلُّ مَصْقُولِ الْحَدِيدِ يَمَانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute