بَذْلُ الْمَوْجُودِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَارْتَفَعَ اسْمُ السَّرَفِ وَالتَّبْذِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ بِذَمِّهِمَا وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا. قَالَ: وَإِذَا كَانَ السَّخَاءُ مَحْمُودًا فَمَنْ وَقَفَ عَلَى حَدِّهِ سُمِّيَ كَرِيمًا وَكَانَ لِلْحَمْدِ مُسْتَوْجِبًا، وَمَنْ قَصَّرَ عَنْهُ كَانَ بَخِيلًا وَلِلذَّمِّ مُسْتَوْجِبًا.
قَالَ وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ أَتَدْرِي لَمْ اتَّخَذْتُك خَلِيلًا؟ قَالَ لَا، قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْت الْعَطَاءَ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ الْأَخْذِ» . قَالَ وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، فَإِنَّهُ يُعْطِي وَلَا يَأْخُذُ، وَيُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، وَهُوَ أَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيْهِ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ مِنْ عِبَادِهِ، وَعَالِمٌ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، وَقَادِرٌ يُحِبُّ الشُّجْعَانَ، وَجَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، انْتَهَى. .
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيُسْتَحَبُّ نِكَاحُ دَيِّنَةٍ وَلُودٍ بِكْرٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةٌ فِي نِكَاحِ الثَّيِّبِ أَرْجَحَ، مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ، حَسِيبَةٌ وَهِيَ النَّسِيبَةُ، أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ لَا بِنْتَ زِنًا وَلَقِيطَةً وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: لِنَجَابَةِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَزَوَّجُوا فِي الْحُجَزِ الصَّالِحِ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» قُلْت هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: جَمِيعُ مَا أَعَزَوْهُ صللعقيلي وَابْنِ عَدِيٍّ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَالْخَطِيبِ وَالْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَالْحَاكِمِ وَابْنِ النَّجَّارِ فِي تَارِيخِهِمَا وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَهُوَ ضَعِيفٌ فَيُسْتَغْنَى بِالْعَزْوِ إلَى هَذِهِ الْكُتُبِ عَنْ بَيَانِ الضَّعْفِ وَقَدْ عَزَاهُ لِابْنِ عَدِيٍّ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ «تَزَوَّجُوا فِي الْحُجَزِ الصَّالِحِ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» الْحُجَزُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْأَصْلُ، وَقِيلَ " بِالضَّمِّ الْأَصْلُ وَالْمَنْبَتُ وَبِالْكَسْرِ هُوَ بِمَعْنَى الْحُجْزَةِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْمُتَحَجِّزِ كِنَايَةً عَنْ الْعِفَّةِ وَطِيبِ الْإِزَارِ، وَقِيلَ هُوَ الْعَشِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَجَزُ بِهِمْ أَيْ يَمْتَنِعُ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ أَيْ دَخَّالٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ نَزْعٌ فِي خَفَاءٍ وَلُطْفٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ مَنْبَتٍ صَالِحٍ جَاءَ الْوَلَدُ يُشْبِهُ أَهْلَ الزَّوْجَةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَعَكْسُهُ.
فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ تَفْعَلْ بِأَنْ تَزَوَّجْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute