مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ، وَإِضْرَارِهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَتَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِجَمِيعِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ مَعَ الْفَقْرِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
وَهُنَا ذَكَرْت أَنَّهُ يُسَنُّ لِذِي شَهْوَةٍ وَلَوْ فَقِيرًا حَيْثُ لَمْ يَخَفْ الزِّنَا.
فَالْجَوَابُ كَلَامُ النَّاظِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْصُوصُ حَتَّى لِفَقِيرٍ. وَجَزَمَ فِي النَّظْمِ لَا يَتَزَوَّجُ فَقِيرٌ إلَّا ضَرُورَةً. وَكَذَا قَيَّدَهَا ابْنُ رَزِينٍ بِالْمُوسِرِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرْنَا نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى.
وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ التَّزْوِيجُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنُهُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣] انْتَهَى.
وَأَقُولُ مُسْتَمِدًّا مِنْ اللَّهِ التَّوْفِيقَ وَالْحَوْلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ وَلَيْسَ بِذِي كَسْبٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِذِي شَهْوَةٍ. فَيُقَالُ يُكْرَهُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ. وَعَدَمِ تَحْصِينِ زَوْجَتِهِ. وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ. فَحِينَئِذٍ تَكْمُلُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسُ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ذَكَرَهَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَدْ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ، وَصَحَّتْ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ وَالصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ، وَالتَّابِعِينَ الْأَبْرَارِ وَالْمُجْتَهِدِينَ الْأَحْبَارِ - بِالْحَثِّ عَلَى النِّكَاحِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ. وَقَدْ مَضَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ نَاطِقَةٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِرَ» وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute