وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَجُلٍ: «لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُهُ، وَكَانَ إذَا مَرِضَ أَوْ قَالَتْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قَالَتْ: بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ إنْ أَدَّيْنَا الْفَرَائِضَ لَمْ نُبَالِ أَنْ لَا نَزْدَادَ، وَلَعَمْرِي لَا يَسْأَلُهُمْ اللَّهُ إلَّا عَمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَا أَنْتُمْ إلَّا مِنْ نَبِيِّكُمْ، وَمَا نَبِيُّكُمْ إلَّا مِنْكُمْ، وَاَللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامَ اللَّيْلِ. وَنَزَعَتْ كُلَّ آيَةٍ فِيهَا قِيَامُ اللَّيْلِ» . فَأَشَارَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ فِيهِ فَائِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ: الِاقْتِدَاءُ بِسُنَّةِ يَنْبُوعِ الْهُدَى، وَالتَّأَسِّي بِالشَّفِيعِ غَدًا، وَمَعْدِنِ الِاهْتِدَاءِ. وَقَالَ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] وَتَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، مِنْ مُنَفِّسِ الْكُرُوبِ وَمَانِحِ الْعَطَايَا. فَإِنَّ بَنِي آدَمَ يُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَحْتَاجُونَ إلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ مُكَفِّرَاتِ الْأَوْزَارِ.
وَقِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُكَفِّرَاتِ، كَمَا قَالَ سَيِّدُ السَّادَاتِ وَمَعْدِنُ السَّعَادَاتِ، لِحَامِلِ لِوَاءِ الْفُقَهَاءِ إلَى الْجَنَّةِ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قِيَامُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: ١٦] الْآيَةَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُتَهَجِّدِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
رُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَاءَ مُنَادٍ يُنَادِي بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: سَيَعْلَمُ الْخَلَائِقُ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ؟ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانُوا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُحَاسَبُ سَائِرُ النَّاسِ» خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ. وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ. وَيُرْوَى أَيْضًا نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute