للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا زَهَّدَهُ فِي الْعِلْمِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُثَبِّطُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا جَاهِلٌ.

وَقَالَ: لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيث. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعِلْمَ وَتَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ أَفْضَلُ عَنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ مَا يَلِيقُ بِهِ. فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَعَلَيْك أَنْ تَرْفُضَ الْوَسَنَ، وَتَصْرِمَ الْحَسَنَ، وَتُجْهِدَ الْبَدَنَ، لِتَتَحَلَّى بِحِلْيَتِهِ، وَتُعَدَّ مِنْ حَمَلَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ إلَّا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَحَذْفِ الْوِسَادِ وَإِلْفِ السُّهَادِ. وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ بِنَشَاطٍ وَعَزْمٍ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ (بِلَا ضَجَرِ) مِنْ طَلَبِهِ. وَسَآمَةٍ مِنْ تَعَبِهِ. يُقَالُ ضَجِرَ مِنْهُ وَبِهِ كَفَرِحَ، وَتَضَجَّرَ تَبَرَّمَ فَهُوَ ضَجِرٌ وَفِيهِ ضَجْرَةٌ بِالضَّمِّ. فَإِنْ أَسْهَرْت الْعُيُونَ، فِي حِفْظِ الْمُتُونِ، وَتَرَكْت الْوَسَنَ، وَأَجْهَدْت الْبَدَنَ. مِنْ غَيْرِ سَآمَةٍ وَلَا ضَجَرٍ، وَلَا بَطَالَةٍ وَلَا خَوَرٍ (تَحْمَدْ) أَنْتَ (سُرَى) كَهُدَى سَيْرُ عَامَّةِ اللَّيْلِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: ١] فَذَكَرَ اللَّيْلَ تَأْكِيدًا، أَوْ مَعْنَاهُ سَيْرُهُ.

وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: فَائِدَةُ ذِكْرِ اللَّيْلِ الْإِشَارَةُ بِتَنْكِيرِهِ إلَى تَقْلِيلِ مُدَّتِهِ. وَالسُّرَى فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مُضَافٌ وَ (السَّيْرُ) وَهُوَ الذَّهَابُ كَالْمَسِيرِ مُضَافٌ إلَيْهِ أَيْ تَحْمَدُ سُرَى سَيْرِك (فِي غَدٍ) عِنْدَ كَشْفِ الْغِطَاءِ وَظُهُورِ الصَّوَابِ مِنْ الْخَطَأِ، فَهُنَاكَ تَحْمَدُ جِدَّكَ وَاجْتِهَادَك، اللَّذَيْنِ بَلَّغَاك مُرَادَك، فِي دَارِ الرُّوحِ وَالرَّاحَةِ، وَقِيَامِ الرُّوحِ وَكَرْعِ الرَّاحَةِ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَعَلُّمُهُ لِلَّهِ حَسَنَةٌ، وَطَلَبُهُ عِبَادَةٌ، وَمُدَارَسَتُهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمُهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلُهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ. وَهُوَ الْأُنْسُ فِي الْوَحَدَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ.

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ تَعَلَّمْ يَا مُوسَى الْخَيْرَ وَعَلِّمْهُ لِلنَّاسِ، فَإِنِّي مُنَوِّرٌ لِمُعَلِّمِ الْخَيْرِ وَمُتَعَلِّمِهِ فِي قُبُورِهِمْ حَتَّى لَا يَسْتَوْحِشُوا مَكَانَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>