إذاً: هذا المال ابتلاء من الله عز وجل فلو أن الله عز وجل رزقك إياه فاجأر إليه أكثر مما لو كنت فقيراً، ويكفي:(أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفاً)، وفي رواية أخرى:(أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم)، أي بخمسمائة عام، لأن المرء لا تزول قدمه يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه، وعن ماله، وعن عمره، وعن شبابه، فيسأل عن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، فصاحب الملايين سيقف أمام الله عز وجل يوم القيامة، ويسأله: من أين اكتسبت هذا الدينار، وفيم أنفقته؟ ثم من أين اكتسبت الدينار الثاني وفيم أنفقته؟ ثم الدينار الثالث والرابع وهكذا وهذا عذاب، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من نوقش الحساب عذب)، يعني مجرد أن يقول الله: لم فعلت، وكيف فعلت؟ فهذا عذاب، حتى وإن لم يعذبك، فمجرد أنه يناقشك فهذا عذاب.
ولذلك جاء في حديث عبد الله بن عمر من طريق صفوان بن محرز عند البخاري ومسلم:(أن صفوان بن محرز اعترض عبد الله بن عمر أو أن رجلاً اعترض ابن عمر فقال له: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول شيئاً في النجوى؟ قال: بلى، سمعته يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه: يا فلان، أتذكر ذنب كذا في يوم كذا وكذا؟ يقول: نعم يا رب.
أتذكر ذنب كذا يوم كذا وكذا؟ يقول: نعم يا رب، حتى يوقن العبد أنه أشرف على الهلاك، فيقول الله تبارك وتعالى: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)، انظروا إلى هذه المحاسبة بين الخالق والمخلوق.
ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(ما منكم من أحد إلا سيحاسبه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، أي: ولو بنصف تمرة تقدمونها لله عز وجل.
ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(سبق دينار مائة ألف دينار عند الله عز وجل)؛ لأن الذي تصدق بالدينار تصدق به عن حاجة إليه، وأما الذي تصدق بمائة ألف دينار فهذا فائض عنده فلا يؤثر فيه، أما الذي يدفع الدينار مع حاجة ماسة إليه فهذا أعظم عند الله تعالى ممن يتصدق بمئات الآلاف عن ظهر غنى.