[التوحيد أول دعوة الرسل وأول ما افترض الله على عباده]
قال الإمام ابن القيم: التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى، فتوحيد الله تبارك وتعالى هو أحسن وأولى ما افترضه الله عز وجل علينا؛ لأن المرء يزكي نفسه بالتقرب إلى الله بكل ما افترضه عليه، ولذلك لا يمكن أن تتقرب إلى الله بأحسن مما فرض عليك، وفوق هذه الفروض كلها فرض التوحيد، فإن كنت موحداً صحت أعمالك، وإن كنت مشركاً فسدت أعمالك وإن كنت صالحاً في ذاتك، فلو أن المرء كان مخلصاً موحداً نفعه بعد ذلك العمل الصالح، من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وغيرها من الأعمال الصالحة، وإن كان المرء مشركاً فمهما صلى، وصام، وزكى، وحج، فلا يمكن أن ينتفع بذلك؛ لقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:٦٥]، فكل عملك حابط ذاهب ما دمت لم تحقق معنى التوحيد لله عز وجل، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢١ - ٢٢].
(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا): أي: شركاء مثلاء، (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ): أن هذه الأنداد وهذه الأصنام وهذه المعبودات، إنما هي معبودات زائفة، والإله الحق هو الله تبارك وتعالى.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال:(كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء.
قال: إلى من تلجأ إذا نزل بك الضر؟ قال: إلى الذي في السماء).
نعم هم لا يلجئون إلى الله تعالى إلا إذا نزلت بهم البلية العظيمة، أما في وقت الرخاء فإنهم يقعون في الشرك من أوسع أبوابه، فقال سبحانه:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[النحل:١٧].