للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حرمة الدماء والأموال في الإسلام]

إذا تكلمنا عن حرمة الدماء فإننا نقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء)، هذا القضاء العام بين الخلائق.

وهناك قضاء خاص فيما يتعلق بالعبد مع ربه: (إن أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة صلاته، فإن صحت صح ما بعدها، وإن فسدت فسد ما بعدها) ولا تعارض بين الحديثين.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا السبع الموبقات) فذكر من هذه السبع المهلكات: (قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق).

فقتل النفس حرام بالكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق).

وراوي هذا الحديث عبد الله بن عمر يفهم هذا جيداً، ويقول: إن من فظائع الأمور التي إذا دخل فيها العبد ربما لا يجد منها مخرجاً قتل امرئ بغير حق.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).

كأن النبي عليه الصلاة والسلام يضيق الحلقة جداً على إنسان سولت له نفسه أن يقتل إنساناً بغير حق؛ ولذلك كلمة الإسلام تعصم المرء في دمه وماله إلا بحقها.

والحق جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة).

وقال عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه).

أي: من بدل دين الإسلام؛ لأنه الدين الحق، وهذا بخلاف ما قد فهم بعض أهل العلم، ونطق بذلك، بل وصدر بذلك في بعض الرسائل.

قال: (من بدل دينه) أياً كان دينه، هكذا قال.

وهذا ضلال مبين؛ لأن العالم أجمع مطالبٌ أن يتخلى عن ديانته وعن شريعته، ويدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته.

وما ينبغي لموسى لو كان حياً إلا أن يكون تابعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام.

والأنبياء جميعاً أتوا برسالة الإسلام والإيمان والتوحيد.

الدماء فظيعة يقبل عليها الناس بكل استهتار، فنرى في كل يوم وليلة فلاناً قتل أباه، وزوجة قتلت زوجها، وزوجاً قتل ابنه أو ابنته أو زوجته، وكأن الدماء ما أرخصها! وهي غالية، وأيما غلاء لهذه الدماء التي صانها الله عز وجل من فوق سبع سماوات، حتى دماء المعاهدين من الكفار ما داموا قد التزموا بالعهد والميثاق، كما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) أي: لا يشم رائحة الجنة، كما يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه، ولا يجوز أن يقول: هذا بدني وهذه نفسي، وأنا فيها حر، بل أنت عبد لله تعالى لا تصدر إلا عن قال الله وقال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فسمه في يده يتجرعه يوم القيامة خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).

وهكذا يحرم على المرء أن يصيب نفسه بأذى، وأنت مسئول عن بدنك هذا فيما عملت فيه.

لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن هذا السؤال، وحتى يجيب بإجابة مرضية مبنية على أصول الشريعة الغراء، هذه الدماء تراق في الداخل والخارج، دماء المسلمين ما أرخصها هنا وهناك؛ وذلك لأن المسلمين تخلوا عن دينهم، فكان لابد أن يتسلط عليهم أبناء القردة والخنازير من هنا ومن هناك سلباً وأسراً وتقتيلاً وبقراً للبطون، وإراقة لدماء الأطفال والنساء والأبرياء والمدنيين؛ لأنهم تخلوا عن دينهم، ولو استمسكوا به وأرسلوا رسالة إلى زعماء العالم: نحن قادمون، لانتحروا في بيوتهم، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (ونصرت بالرعب مسيرة شهر).

وصدق الخلفاء رحمهم الله، فقد كانوا يرسلون الرسائل إلى هذا وذاك، ويقولون: الجواب ما ترون لا ما تسمعون، وسأرسل إليكم جيشاً أوله عندكم وآخره عندي.

هذه مواقف العزة إذ كان يستمسك بها الولاة والأمراء والخلفاء، فما بال المسلمين اليوم في الحضيض وفي الذل والهوان؟! السبب في ذلك هو ترك الكتاب، وترك العمل بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولو أن المسلمين رجعوا إلى دينهم، ورفعوا راية الجهاد، وتركوا البيع بالعينة، ولم يتبعوا أذناب البقر إلا رجع إليهم دينهم، ورجعت إليهم عزتهم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) هذا المال إن تكسبته من حرام فهو حرام، وإن تكسبته من حلال وأنفقته في حرام فهو حرام، وإن تكسبته من حلال وأنفقته في حرام فهو حرام، وكل أموالك حرام إلا ما اكتسبته من حلال، وأنفقته في حلال، وأنت مسئول عن مالك من أين ا

<<  <  ج: ص:  >  >>