[وصية النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع بالتمسك بالكتاب والسنة وإشهاده بتبليغ رسالة ربه]
تأتي النصيحة الجامعة: (وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله).
وانظروا إلى قوله: (ما إن) أي: إذا تمسكتم به لن تضلوا أبداً، فمفهوم المخالفة أنه إذا لم يتمسك بهذا الكتاب لابد أن يقع الضلال، وتقع الحيرة في شرق الأرض وغربها، ولابد أن تكون نعال الأسافل فوق هامات الأماجد، هذه نتيجة طبيعية يراها كل ذي عينين، وواقع الأمة لا يخفى على أحد.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كتاب الله هو حبله المتين، طرفه بيد الله، والطرف الآخر بأيديكم فتمسكوا به).
وقال في رواية عند مالك: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض).
والنبي عليه الصلاة والسلام يشير في نهاية هذه الوصية الجامعة بقوله: (وإنكم تسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: يا رسول الله! نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فأشار بسبابته إلى السماء -حيث الله تعالى- ينكتها إلى الناس في الأرض وهو يقول ثلاثاً: اللهم اشهد).
أخرج البخاري في صحيحه: (أنه يجاء بنوح يوم القيامة بين يدي الله عز وجل فيقول الله: يا نوح! هل بلغت؟ فيقول: نعم.
يا رب! ويؤتى بأمته: هل بلغكم نوح؟ فيقولون: لا، يا رب! ما جاءنا من بشير وما جاءنا من نذير) هذه أخلاق اليهود، يقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، ولا أعني بذلك: أن أتباع نوح هم يهود، فاليهود لا يعرفون إلا بعد موسى عليه السلام، ولكن هذه هي الأخلاق المعروفة عن المكذبين حتى بين يدي الله عز وجل، يوم يطمس على الأفواه، وتنطق الجوارح، ويكون لكل إنسان من نفسه شاهد.
قال: (هل بلغكم نوح؟ فيقولون: لا.
يا رب! ما جاءنا من بشير وما جاءنا من نذير، فيقول الله عز وجل لنوح: من يشهد معك؟ فيقول: محمد وأمته).
فنحن أمة الوسط وأمة العدل وأمة الشهادة.
قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١].
هذا مصداق الشهادة يوم القيامة لجميع الأنبياء والمرسلين أنهم قد بلغوا وأدوا الأمانة ونصحوا أممهم، حتى تقوم الحجة على جميع الخلائق بشهادة أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وبشهادة الحبيب عليه الصلاة والسلام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا، وصلى الله على نبينا محمد.