وقال الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ}[البقرة:٢٢٠] إلى آخر الآيات.
وسبب نزول هذه الآيات: أنه وقع الحرج الشديد جداً لما نزل قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:١٠]، فقام الصحابة رضي الله عنهم يميزون أموال اليتامى عن أموالهم، حتى إن أحدهم كان يصنع الطعام لليتيم من مال اليتيم ولا يقربه وإن فسد، وهذا إفساد للمال وخراب لهذه الذمة المالية، والإسلام لا يرضى بذلك، فلما وقع الحرج والعنت والمشقة للصحابة في هذا الباب سألوا النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى:((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ))، أي: أن تميزوا أموالهم بشرط ألا يفقد منها شيء فهذا خير، وإن كان لابد من خلط أموال اليتامى بأموالكم، وأن تباشروا هذا بالمعروف؛ فهذا لا حرج عليكم فيه، وإن تخالطوهم فهم إخوانكم، وهم معكم على طعام واحد وشراب واحد، فكلوا من أموالهم بالمعروف، وهذا للوصي وولي اليتيم الذي لا يجد ما ينفق على نفسه، فله أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف، كأن يأكل سد رمق، لا يشبع، فلما رفع النبي عليه الصلاة والسلام عن أوصياء اليتامى الحرج في هذا الباب ارتفع العنت، والدين يسر.
قال تعالى:((قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ))، وهذا اللفظ عام، فالإصلاح في كل باب من أبواب الخير، من المطعم والمشرب والملبس والتعليم والتربية وحسن الأخلاق وغير ذلك، ولذلك نرى الكثير من الناس يفهم طريقة التربية للأيتام فهماً خاطئاً جداً، فما دام أن هذا الطفل يتيم فلا يقربه أحد ولا يزجره أحد ولا ينهره أحد مطلقاً، والعلة في ذلك: أنه طفل يتيم، فيتركونه يزداد من سوء الأخلاق يوماً بعد يوم، فإذا كبر بهذه الأخلاق أفسد في الأرض إفساداً عظيماً، لذا إصلاح هذا الطفل خير له من أن يتمادى في هذا الباطل وفي هذا الفساد، واليتيم إذا كان تحت يدك فيجب عليك أن تربيه، وأن ترعاه في أخلاقه وآدابه ومسلكه كما ترعى أولادك وزيادة؛ فتقيمه على الإصلاح، ولو كان ذلك بالقهر والقسر والجبر؛ لأن هذا هو الذي أمر الله عز وجل به المؤمنين، أو أمر به القائمين على أمر الأيتام.
أما أن تتركه يرتع في الأرض كما يحلو له، ويفسد فيها كيف يشاء؛ فهذا ليس من أبواب الإصلاح، بل هو من أعظم أبواب الإفساد.