أول آية تثبت علو الله عز وجل هي قوله سبحانه:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، هذه الآية صريحة بمنطوقها بأن الله عز وجل هو الأعلى، ولا شك أن الأعلى فوق العلي؛ لأن الأعلى أقوى في الدلالة من العلي، والنبي عليه الصلاة والسلام شرع لنا أن نقول في سجودنا:(سبحان ربي الأعلى)، فبعض الناس نازع وقال: العلو هنا هو علو منزلة ومكانة، وسيأتي الرد على هذه الشبهة وهذا الزعم وهذا القول، فإن الله عز وجل متصف بصفات الكمال من كل الوجوه، فهو صاحب العلو المطلق من كل وجه، فهو متصف بعلو شرف، وعلو ذات، وعلو قدر، وعلو رتبة.
وأما حمل هذا اللفظ على نوع معين من أنواع العلو هذا تحكم بلا دليل، وتخصيص بلا مخصص، والأولى إطلاق هذه الصفة وهذا اللفظ لله عز وجل من كل الوجوه، وأن تثبت لله عز وجل صفة العلو من كل الوجوه.
يقول الإمام سعد بن علي الزنجاني رحمه الله: قد أجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، وأن لله علو الغلبة والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل، فثبت بذلك أن لله علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة.
والإمام أبو سعيد الدارمي من كبار أئمة أهل السنة قال في كتاب له: إجماع من الأولين والآخرين، العالمين منهم والجاهلين، أن كل واحد ممن مضى وممن غبر إذا استغاث بالله تعالى أو دعاه أو سأله يمد يديه وبصره إلى السماء يدعوه منها، ولم يكونوا يشيرون بهما إلى الأرض، ولا إلى أمامهم، ولا إلى خلفهم ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإنما إلى السماء؛ لمعرفتهم بالله أنه فوقهم، حتى اجتمعت الكلمة من المصلين في سجودهم:(سبحان ربي الأعلى)، فلا يقول أحد منهم: سبحان ربي الأسفل.
وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة له كتاب عظيم في صفات الله عز وجل اسمه:(التوحيد وإثبات صفات الرب)، قال فيه: وقال جل وعلا: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، فالأعلى مفهوم في اللغة أنه أعلى كل شيء، وفوق كل شيء، فلو قلت: العلي لقلت: هناك من هو أعلى، ولو قلت: الأعلى، دل بذلك على أنه لم يكن شيء أعلى منه.
وقال الإمام ابن عبد البر عليه رحمة الله: وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، وهذا من العلو.
فهؤلاء العلماء العظام وغيرهم كثير فهموا الآية على حقيقتها، من أنها تتضمن العلو، غير هذه الحثالة من بقايا الجهمية الذين أنكروا علو الله عز وجل على خلقه.