فالكلام في الحوض كلام كثير جداً، وللأسف الشديد قبل عدة أسابيع سمعت أن أحد الفضلاء في الأزهر ينكر الحوض والميزان، وكان يلقي محاضرة في المقطم، فلما أتى عند الحوض قال كلاماً هو إلى الكفر أقرب، بل إنه زاد على الإنكار استهزاء وتهكماً، فقال: كيف يُعد الله تعالى في الآخرة حوضاً لعباده؟ أهم بهائم؟ وهل الصفات الواردة في صفة الحوض هي نفس الصفات الواردة في الحياض التي تردها أنت مع البهائم وتشرب منها؟! ثم يقول: قد دلت النصوص أن الميزان يوزن به الأعمال ويوزن به الأبدان والأشخاص، كيف توزن الأبدان يوم القيامة وما قيمة وزنها؟! ثم قال: وكيف توزن الأعمال مع أن الأعمال أمر معنوي وليس محسوساً؟!
الجواب
إن أموراً كثيرة جداً معنوية يجعلها الله تعالى في صورة المحسوس يوم القيامة، ولا يمكن أن يقع ذلك تحت طائلة العقل لبني آدم، أليس الموت شيئاً معنوياً؟ ومع هذا يأمر الله تبارك وتعالى به فيكون في صورة كبش يذبح على الصراط بين الجنة والنار.
وغير ذلك من المعنويات التي تكون في صورة المحسوسات يوم القيامة، ولا يمكن أن يقاس عليه عمل العباد في الدنيا قط.
فالله تعالى إذا أراد أن يزنها على حالتها فإنه قادر على أن يفعل ذلك، وإذا أراد أن يحول هذه المعنويات من الأعمال إلى محسوسات فتوزن لفعل ذلك سبحانه وتعالى:{إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت:٣٩]، وغير ذلك من الأمور المعنوية.
فالروح شيء معنوي، ولا يستطيع أحد منكم أن يأخذ روحه بيده، لكن إذا مات العبد جعلت الروح في خرقة ولفَّت فيها وصعد بها إلى السماء، فمنها من تفتح لها أبواب السماء، ومنها من تغلق فترجع إلى الأرض مرة أخرى، ولا يكون هذا إلا في المحسوسات، مع أننا نوقن أن الروح من الأمور المعنوية وليست من الأمور المحسوسة، فإقحام العقل في هذه النصوص التي تفوق مستوى العقل بلا شك نوع محادة لله عز وجل ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.