[المرحلة الأولى من مراحل حياة عمرو بن العاص: مرحلة قبل الإسلام]
قال عمرو:(ولقد رأيتني على أطباق ثلاثة)، أي: على مراحل وحالات ثلاث: المرحلة الأولى والطبق الأول: قال: (لقد رأيتني وما أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: قبل إيمانه وإسلامه، (ولا أحب إلي أني قد استمكنت منه فقتلته، ولو أني مت على تلك الحال لدخلت النار).
انظر إلى القطع بدخول النار لمن بغض الناس إلى الله، ولمن بغض الناس إلى رسول الله وإلى شرع الله، وانظر إلى حكم من أبغض الله، وأبغض رسول الله، وأبغض شرع الله، وصار يتهكم عليه بالليل والنهار، ويهزأ من أهله، ويسخر بهم، كل ديدنه أنه لا يعجبه الإسلام، وإن تسمى بأسماء المسلمين، فإنه من أهل النار إلا أن يتوب إلى العزيز الغفار، وإلا فكل من استهزأ بدين الله عز وجل وسخر منه ومن أهله وأبنائه، فإنه من أهل النار إلا أن يرجع إلى ربه، ويستغفر الله تعالى مما بدر منه.
قال:(ولو أني مت على تلك الحال لدخلت النار).
انظروا إلى الربط بين حاله الذي كان يتمثل في البغض القلبي، وعمل الجوارح؛ لأنه قال:(لقد رأيتني وما أحد أبغض إلي من رسول الله عليه الصلاة والسلام).
والبغض: أمر قلبي.
قال:(ولا أحب إلي أني استمكنت منه فقتلته).
هذا عمل من أعمال الجوارح، وهذا الذي يقرر عقيدة أهل الحق: أن الإيمان قول وعمل، قول: باللسان لمن قدر على ذلك، ومن لم يقدر على ذلك فتكفيه الإشارة، أو الكتابة إذا كان يحسنها.
ثم العمل عمل الجوارح، وعمل القلب من الصدق والإخلاص والمحبة والتوكل والرجاء وغير ذلك من أعمال القلب، ولابد للقلب إذا آمن أن تنطلق الجوارح فتعبر بما أوجب الله عز وجل عليها، مما وقر في قلب صاحبها من صلاة وصيام وزكاة وحج وسائر الطاعات التي هي من أعمال الجوارح الظاهرة.
فالإسلام يكمن في القلب، ويظهر على الجوارح، ولذلك جمع بين هذا وذاك عمرو بن العاص؛ ليقرر ابتداءً في ذلك الزمان عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل، قول باللسان، وعمل بالقلب والجنان، ولا يصلح عمل القلب بدون الأركان، كما أن عمل الأركان لا يصلح قط إلا إذا نطق صاحبها بلسانه بكلمة التوحيد، واستقر ذلك في قلبه، ودون ذلك خرط القتاد لا تنفع صاحبها لا في الدنيا ولا في الآخرة، اللهم إلا من نطق بها نفاقاً، فيثبت له حكم الإسلام ظاهراً وهو عند الله كافر.
قال:(ولو أني مت على تلك الحال).
لم يقل: لظننت أني من أهل النار، أو ربما دخلت النار، وإنما قطع بأنه من أهل النار.