أما موقف اليهود من الملائكة فإنه في منتهى العناد والجحود، ولذلك (لما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة سمع به عبد الله بن سلام)، وعبد الله بن سلام كان حبراً من أحبار اليهود، (لما سمع بمقدم النبي عليه الصلاة والسلام أتى إليه وقال: يا محمد! إني سائلك عن ثلاثة أشياء لا يعرفها إلا نبي، قال: يا عبد الله بن سلام هات ما عندك، فقال: ما أول علامات الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وكيف ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فأما أول علامات الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قال: صدقت، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، قال: صدقت، قال: أما كيف ينزع الولد إلى أبيه أو أمه فإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إليها، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه، قال: صدقت، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك نبي الله، ثم قال عبد الله بن سلام ادعو اليهود وسلهم عني قبل أن تخبرهم بإسلامي، فإنهم قوم بهت -أي: قوم ظلم، وغدر، وخيانة- فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما دخل عليه اليهود: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: هو سيدنا وابن سيدنا، وعظيمنا وابن عظيمنا، وشريفنا وابن شريفنا، فخرج عليهم عبد الله بن سلام وقال: آمنت بالله ورسوله، قالوا: أنت سفيهنا وابن سفيهنا، وحقيرنا وابن حقيرنا)، ففي الوقت نفسه وفي نفس المجلس يتحول اليهود بزاوية (١٨٠) درجة، فلا عهد لهم، ومن رام معهم صلحاً أو وداً فإنما يجري خلف سراب خادع، فهنا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن سلام:(أترى يا عبد الله ما سألتني، فوالله ما كنت أعرف جواباً حتى سألتني فنزل جبريل فأخبرني بالجواب، قال: أو جبريل الذي ينزل عليك يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة)، اليهود لا يعادون الخلق فقط، وإنما يعادون الملائكة فأنزل الله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:٩٧ - ٩٨].
ومما يؤيد عداء اليهود للملائكة: أن عمر رضي الله عنه لما هاجر إلى المدينة اشترى أرضاً في المدينة، وكان إذا أراد أن يذهب إليها لابد أن يمر على أحياء اليهود من بني قينقاع وبني النضير، وكانوا يطمعون في ردة عمر بن الخطاب؛ لأنه كان زعيماً في الجاهلية، فكان من مصلحة اليهود أن يرتد أحد زعماء الإسلام بعد إسلامهم وإيمانهم، فكان إذا ذهب عمر إلى أرضه طمعوا فيه ونادوه وأجلسوه معهم، فيقولون له: يا عمر! لو أن الذي ينزل على صاحبك غير جبريل لآمنا به، فإنك تعلم أن جبريل عدونا من الملائكة، فقال لهم عمر:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ}[البقرة:٩٧] الآيتين فقيل: إن هذه الآيات مما وافق فيه عمر كتاب الله عز وجل.
فالشاهد من هذا أن المسلم لابد وأن يؤمن بملائكة الرحمن، وأن الإيمان بالملائكة هو حد فاصل بين الإيمان وبين الكفر، بين أن ترفع لواء الطاعة ولواء المعصية والجحود والنكران، كما أنه لابد أن يكون سمت وهدي المؤمن في الإيمان بالملائكة يخالف سمت وهدي اليهود والنصارى، فإن الواحد منهم يؤمن بما شاء ويكفر بما شاء، أما المؤمن فلا يؤمن إلا بما أمر الله تعالى أن يؤمن به.