[إنفاق الكفرة لأموالهم للصد عن سبيل الله]
إن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦]، يحاربون الإسلام والإيمان بشتى أنواع المحاربة، يستخدمون النساء تارة للفتنة، ويستخدمون المال والرشوة تارة أخرى.
لقد عرض كفار مكة من قبل على النبي عليه الصلاة والسلام عروضاً كثيرة منها: إذا كان بك مرض أو جنون أو مس عالجناك واستدعينا لك أعظم الأطباء، قال: ما بي من مس ولا جنون.
قالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش، وليس به حاجة إلى مال، إذا كنت تريد كذا وكذا وكذا، وفي كل ذلك يأبى عليه الصلاة والسلام إلا نصر عقيدته ودينه ورسالته.
هذا هو النصر الحقيقي.
فلما أيسوا من محمد عليه الصلاة والسلام قلبوا له رأس المجن، فبعد أن كان الأسلوب ناعماً ولم يجد نفعاً مع صاحب الدين والعقيدة، قاموا بعد ذلك يسبونه ويلعنونه ويشتمونه ويقاتلونه ويحاربونه.
لا بد أن يمر المؤمن إلى قيام الساعة بتلك المراحل.
أنسيتم ما قالت أمريكا: من أتى لنا بفلان فله خمسة ملايين دولار، ثم رأت أن هذا المال قليل فزادوه إلى عشرة، ثم خمسة عشر، حتى أوصلوا المبلغ إلى خمسة وعشرين مليون دولار، لو كان مع ذاك المطلوب أصحاب دنيا لهرب أحدهم ودل عليه وانتهت القضية.
أتظنون أن تلك الجحافل الكفرية أتت من شرق الأرض وغربها، تزعم أنها لو أخذت شخصاً أو شخصين لوضعت الحرب أوزارها، واستقر الأمر، وانتشر الأمان؟ أتظنون أن هذه الجحافل استطاعت إلى يومنا هذا أن تحصل على ما أتت إليه بزعمها؟ أهذا هزيمة لأهل الإيمان ونصر لأهل الكفر؟ إن هذه الفرقة المؤمنة قضت على آمال أمريكا والصليب، وحققت عليهم نصراً مادياً وعسكرياً مؤزراً فضلاً عن نصر عقيدتهم، وقد نصروا العقيدة بهدم أعظم تمثال يعبد من دون الله في الأرض، وهو تمثال بوذا، وهذا يدل دلالة واضحة على رسوخ الإيمان وعقيدة التوحيد في قلوب طالبان والقاعدة.
أيها الإخوة الكرام! لقد ضرب الله عز وجل لنا أمثلة عظيمة للثبات، كمؤمن آل فرعون، وكل نبي مع قومه ووجه وجوبه بالتكذيب والطرد والتشريد والقتل والسجن وغير ذلك، ولكنهم ثبتوا على عقيدتهم، وما سمعنا أن واحداً قال لما سجن يوسف إنه انهزم، بل سعى يوسف عليه السلام في السجن وأسس نواة التوحيد داخل السجن، أسس نواة تدعو إلى الله عز وجل، وإلى توحيده وعقيدته وشرعه في ذلك الوقت في داخل السجن.
إن الأمر كما قال ابن تيمية عليه رحمة الله: أنا جنتي وبستاني في صدري، ما يفعل أعدائي بي؟ إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة! فلما أدخلوه وأغلقوا دونه الباب تلا قول الله عز وجل: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] انظروا إلى هذا الدرس الذي يعلمه ابن تيمية لأمة كاملة: أنا هنا في حياة طيبة، وأنتم في عذاب؛ لأن الله معي.
هذا هو النصر الحقيقي لأهل الإيمان، ولعقيدة الإيمان والتوحيد.
أقول هذا من باب التثبيت لكثير من شباب الصحوة وعامة الأمة؛ ليعلموا أن ما يدور اليوم على ساحة أفغانستان إنما هو النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى به، وأرجو ألا تقيس النصر أو الهزيمة بقياس مادي بحت، ولكن انظر إلى الآثار المترتبة على تلك الحرب الضروس التي شنها الصليبيون على أرض أفغانستان.