ومنها: سلامة القلب، وإسداء النصيحة من علامات صحة الصحبة، وحسن العشرة، والله تعالى يقبل ذلك منه، لقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٩].
فلابد أن يكون قلبك سليماً في معاشرتك لإخوتك وخلانك، وأما إذا كان القلب فاسداً ممتلئاً بغضاً وحقداً وحسداً وغلاً وغشاً وخيانة لرفيقك في الطريق أو لجارك أو لمن يصلي بجوارك بالمسجد فكيف تسمي هذه العلاقة صحبة؟! وقال السقطي رحمة الله عليه: من أجل أخلاق الأبرار سلامة الصدر للإخوان والنصيحة لهم.
وكل حرف من هذا يحتاج إلى ضبط، إلا أننا نجمل المعاني اتكالاً على أن معاني هذا الكلام معلومة لدى السامع.
فمن أجل أخلاق الأبرار والصالحين سلامة الصدر والنصيحة للإخوان، وإن رأى الناصح في أخيه منقصة نصحه بلطف.
واليوم أصبحت النصيحة آخر العهد بين الصاحبين، فما دام أنه نصح فقد وقف على فضيحة ومنقصة فيه، فيسد هذا الباب تماماً؛ لأنه كل قليل سيرى أنه أرفع منه، وأصبح من يقبل النصيحة الآن قلة جداً، بل إن الواحد يطلب النصيحة فإذا نصح وقيل له: إن فيك كيت وكيت قال: وأنت أيضاً فيك كيت، ويرد النصيحة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا يرى أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه).
والمؤمن مرآة أخيه، فهو يرى أدق العيوب التي عند صاحبه وأصغرها وأحقرها، وهذا الصاحب عنده عيوب كبائر وعظائم، ولكنه لا يراها، وهو غافل عنها، فإذا ذكر بها قال له: وأنت عندك مصائب، فإذا قلت: إن هذه التي تذكرني بها قد تبت منها إلى الله عز وجل، قال: وأنا لن أنساها لك، فلن أنسى أنك في يوم كذا زنيت، وفي يوم كذا سرقت، وفي يوم كذا قطعت الطريق، وفي يوم كذا غششت، وفي يوم كذا خنت، ولو تبت من هذا كله فلن أنساه، فما دام أنك تكشف ستري فأنا أيضاً سأكشف سترك.
وهو الذي قال له أولاً: انصحني.
فلا أحد يقبل اليوم النصيحة بصدق وإخلاص لله عز وجل، فإذا نصحك ناصح وأغلظ لك في النصيحة فاقبلها منه واشكره عليها، وقد كان عمر بن الخطاب -الذي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الذين شهدوا بدراً والعقبة، وهو من خيار الصحابة- يقول: ما أبقت لي النصيحة صاحباً.
إن سلامة القلب وإسداء النصيحة من ألزم حقوق الأخوة، ولكن وسع صدرك من أجل أن يصلح حالك، واطلب النصيحة من أجل الاستقامة، والنصيحة ثقيلة على القلب، فعلى من يطلبها أن يوسع قلبه وصدره لقبولها وليجاهد نفسه على ذلك.