الآية الثالثة: قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:٢٥٥]، وهذه الآية نص في الرد على من قال: إن العلو علو عظمة، فالله عز وجل أثبت لنفسه في هذه الآية صفتين: الصفة الأولى: صفة العلو، والصفة الثانية: صفة العظمة، فقال:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:٢٥٥]، فلو كان العلو هو علو عظمة لما كان هناك داع من ذكر العظيم، فدل بذلك على أن العلو شيء والعظمة شيء آخر، والعلو صفة، والعظمة صفة أخرى؛ لأن الله تعالى ذكرهما وقرنهما، وعطف الثانية على الأولى والعطف يقتضي المغايرة والتباين.
قال ابن أبي العز الحنفي عليه رحمة الله: وإنما يثبت هذا المعنى من الفوقية في ظل ثبوت الفوقية المطلقة من كل وجه، فله سبحانه وتعالى فوقية القهر، وفوقية القدر، وفوقية الذات، ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص، أي: فقد نسب الله عز وجل إلى النقص، وكل صفات النقص منفية عن الله عز وجل.
وقال الإمام سعيد بن محمد التميمي: وقد أجمع المسلمون أن الله تعالى العلي الأعلى ونطق بذلك القرآن، فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة لا علو الذات، وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة، والعلو من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح، فثبت أن لله تعالى علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة.
وقال ابن خزيمة: والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه، وأعلمنا أنه العلي العظيم، أفليس العلي يكون عالياً؟
الجواب
بلى، فصفة العلو ثابتة لله عز وجل وهي علو الذات.
وقال البغوي عليه رحمة الله في قوله:{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ}[الحج:٦٢]، قال: العالي على كل شيء، فليس فوقه شيء.
وقال الشيخ السعدي عليه رحمة الله في تفسيره (تيسير الكريم المنان) في تفسير (العلي) و (الأعلى): وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر، فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وله جميع صفات العظمة والكبرياء والجلال، والجمال، وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى.