كل ذلك -لا شك- يرشدنا وينبهنا إلى أن الأزمة ليست أزمة عسكرية ولا أزمة كثرة عدة ولا عدد ولا مادية ولا اجتماعية ولا غير ذلك، فالأزمة نابعة من أصل فاسد بنينا عليه قلوبنا، والنبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أمر عظيم ويلفت أنظارنا إلى أمر مهم في غاية الأهمية، يقول:(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فالقلب أهم شيء وأهم ركيزة في الإنسان، إن صلح القلب بالعقيدة الصحيحة والإيمان الصادق وحسن التوكل وحسن الظن بالله والاعتماد عليه لا شك أن صاحب هذا القلب يسود الدنيا كلها حتى وإن كان ضعيفاً، وأما صاحب القلب الفاسد وإن ملك الدنيا بحذافيرها فلا شك أنه أرذل الناس وأذلهم، حتى وإن كان يظن في نفسه أنه من علية القوم، فكم من إنسان ملك المال فكان المال سبب هلاكه وضلاله حتى قال عن نفسه:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}[القصص:٧٨]، ولم ينسب الفضل لله بل نسبه لنفسه، ومثل قارون هذا ملايين في هذه الأمة، كل إنسان بعيد عن الله وعن منهج الله وعن صراطه يتصور أن كل ما أوتي له من مال وعلم وجاه وسلطان إنما ذلك بذكائه وحنكته وحذاقته وعلمه، وأنه ليس من عند الله عز وجل، وهذا -ولا شك- هو سبب فساد العقيدة، أي: فساد القلب والعقيدة: هي الحكم الجازم الذي يعقده الإنسان في قلبه، فهذا الحكم الجازم لا يقبل التردد ولا الشك، والإيمان أحياناً يرد بمعنى العقيدة، والعقيدة أحياناً ترد بمعنى الإيمان:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}[الشورى:٥٢] والإيمان هو العقيدة، {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}[الشورى:٥٢].
والإسلام في أول عصره احتاج إلى الكفاءات العلمية، فوجهت هذه الكفاءات بفضل إيمانها وصدق لجوئها إلى المولى عز وجل إلى خدمة الإسلام؛ فكان سبب انتشار هذه العلوم الشرعية في جميع بقاع الأرض وربوع المعمورة بسبب انتشار علماء الإسلام في كل بقاع الأرض، ولا نعلم هذه الكفاءات في أيامنا هذه.
فالخلاصة: أن كل ما كان موجوداً في الصدور الأولى هو موجود الآن، ولكنه انحرف عن المسار فاتخذ وجهة لا يخدم فيها الإسلام وهذا في أقل أحواله، أو أنه انضم لأعداء الإسلام على حساب الإسلام وضده.
فهذه الكفاءات موجودة في أيامنا هذه، ولكنها -كما ترون- مصروفة إما في الإذاعة والتلفزيون، وإما في الصحف والمجلات والجرائد، فتراه يتكلم ضد الإسلام، ويميع الهوية الإسلامية، ويقتل الشخصية الإسلامية مطلقاً، فكل ذلك موجود وملموس ولا ينكره إلا جاحد، فنقول: إن ما كان موجوداً هناك موجود هنا، ولكن الفارق بيننا وبينهم أمران: لو عرضنا اعتقادنا على الكتاب والسنة لكنا مخالفين للكتاب والسنة، ولو عرضنا أيامنا وأعمالنا على أعمال الصحابة وأيامهم لفاقونا بمراحل كثيرة.