[مواقف في نصرة العقيدة والتوحيد]
موقفان في نصرة العقيدة لإبراهيم عليه السلام: الأول: لما حطم الأصنام أججوا له النيران وألقوه فيها.
وربما يقول قائل من أول وهلة: لقد خسر إبراهيم عليه السلام، ولكن الله تعالى أمر النار أن تكون برداً وسلاماً عليه، ثم خرج منها يمشي إليهم، وهذا نصر آخر في قضية واحدة، وهي الرسالة الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:٥٥] فأهل الإيمان فوق أهل الكفر بإيمانهم وعقيدتهم إلى قيام الساعة.
وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢].
وقال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩] أي: إن كنتم مؤمنين حقاً فأنتم الأعلون -بإذن الله- ولا يلزم من ذلك ألا تقدم لله تعالى نفسك وروحك ومالك.
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:١١١] تلك هي السلعة الغالية وثمنها أن تقدم نفسك ومالك رخيصاً لله عز وجل.
وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٥ - ٥٦]، حزب الله هم الغالبون أي غلبة كانت؛ لكن لا بد أن تكتب لهم الغلبة، ولا يلزم من ذلك ما تراه في واقع الناس اليوم في مقابلة قول الله تعالى: {أوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:١٩].
ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:٢٠] (في الأذلين): هذه عقوبة من الله وتهديد ووعيد لأهل الكفر والطغيان.
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١].
ومن المبشرات لأهل الإيمان: أن الله تعالى مع الذين آمنوا، ومع الذين أحسنوا، ومع الذين اتقوا، ومع الذين صبروا: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:١٢٠].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في غار ثور وقال له أبو بكر: (يا رسول الله! إن أحدهم لو نظر تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا).
خرجت عليه جحافل الشرك من مكة وغيرها ليقتلوه فلم يستطيعوا فعل شيء، ففي هذا الوقت وذاك الضعف يبشر النبي عليه الصلاة والسلام من تولى أمر قريش للدلالة على محمد عليه الصلاة والسلام، لما آمن يبشره بكنوز كسرى وقيصر، ويبشر النبي عليه الصلاة والسلام الأمة في آخر الزمان أنها ستملأ الأرض عدلاً وإسلاماً وتوحيداً.
هذا دين الله وهو ناصره لا محالة، وهذا رسوله ولن يضيعه الله عز وجل.
وقال أصحاب موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١] هذا فرعون وملؤه أتوا، سيدركوننا ويقتلونا، فقال موسى الواثق بالنصر من ربه: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢] وهداية الطريق إلى الله أعظم نصر لموسى عليه السلام في ذلك الوقت.
وقال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، حق أوجبه الله تعالى على نفسه؛ لكننا لا نفرض على الله تعالى نوعية النصر وكيفية النصر؛ لأن النصر له عدة وعتاد وثمن لا بد أن يفتح، قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠] للدلالة على أن الحرب بين أهل الكفر وأهل الإيمان إنما هي في حقيقتها حرب مع الله عز وجل.
قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠] ثم يشهد الله لنفسه بالغلبة والقوة والنصر، قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] سبحانه وتعالى، ولذلك يقول: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:١٥ - ١٦] ولم يقل: إنهم يكيدون كيداً وتكيدونهم كيداً، وإنما قال: {وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:١٦ - ١٧] دعهم يا محمد! يطغون ويبغون في الأرض، ويفسدون فيها شرقاً وغرباً، فإن الغلبة في النهاية لأهل الإيمان، والعبرة بالخواتيم.
قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْف