الفرق السابع: أن الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة.
أما التعزير فإنه يثبت بالإقرار والبينة، وبشهادة شهود، بل وببعض القرائن.
فمجال إثبات التعزيرات أوسع من مجال إثبات الحدود، الحدود ضيقة، فإثبات الحدود إما بأن يأتي الرجل فيقر على نفسه، وإما ببينة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، أما غير هذا فإن الحدود تدرء بالشبهات كما قال عمر وغيره، وهو حديث لكنه ضعيف مرفوعاً.
فأقل شبهة يسقط فيها الحد، ولذلك جيء برجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزعموا أنه قد لاط بطفل، وجاء أربعة يشهدون عند أمير المؤمنين، فقال الأول: رأيته يزني يا أمير المؤمنين، وقال الثاني: رأيته يزني يا أمير المؤمنين، وقال الثالث: رأيته يزني يا أمير المؤمنين، فلما جيء بالرابع قال له أمير المؤمنين: اتق الله يا فلان ولا تشهد إلا بما رأت عيناك، فقال: يا أمير المؤمنين! والله ما رأيت إلا شراً، قال: وما رأيت؟ قال: رأيته وذاك الغلام قد التحفا بلحاف ورأيته يرتفع وينخفض، والله ما رأت عيناي غير ذلك، فقال أمير المؤمنين: الله أكبر! الحمد لله الذي أسقط عنه الحد بهذه الشبهة.
فانظروا أيها الإخوة الكرام! فإن أعراض الناس وأبدان الناس، وأرواح الناس ليست هدراً، فلا بد من وضع الأمور في نصابها، وعدم التعدي على حرمات الناس، حتى وإن كانوا كفاراً، ولذلك ضيق المولى عز وجل دائرة الإثبات في الحدود، فجعلها بإقرار المسلم العاصي، أو ببينة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.