[تفسير قوله تعالى:(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون)]
وفي قول المولى عز وجل:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:٢٨٥] لما نزلت هذه الآية قال النبي عليه الصلاة والسلام: (حُقَّ له أن يؤمن)، أخرجه الحاكم من حديث أنس بسند صحيح، والمعنى: وجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمن؛ لأن الأنبياء هم أعرف الخلق بالله عز وجل، ما يجب له، وما لا يجوز أبداً في حقه، وما يستحيل، فهم أعرف الخلق بالله؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:(أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له)، والذي يعرف المولى عز وجل حق المعرفة يعبده حق العبادة، ولذلك قال المولى عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، وكلما ازداد المرء علماً ازداد خشية للمولى عز وجل، والأنبياء هم أعلم الخلق جميعاً وهم أعبد الخلق جميعاً للمولى عز وجل؛ لأنهم أعرف الخلق بالله سبحانه وتعالى.
ثم أثنى الله عز وجل على جميع المؤمنين، إلا أنه في الدرجة الأولى موجه للصحابة؛ لأنهم أول من خوطبوا بالقرآن الكريم، فقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ}[البقرة:٢٨٥] عطفهم على الرسول، أي: آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه من ربهم، كما آمنوا بالله وملائكته ورسله، فعطف المؤمنين على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه مدح وثناء وتفضل من المولى عز وجل أن جعل أهل الإيمان يوافقون الرسل في أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وإن لم يكن جميع أركان الإيمان قد ذكرت في هذه الآية إلا أنها قد ذكرت في آيات أخرى وأحاديث أخرى كثيرة، فهذا العطف عطف تكريم وتشريف للصحابة، بل ولجميع المؤمنين، فقال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:٢٨٥]، والذي أنزل إليه من ربه هو الوحي، فالنبي عليه الصلاة والسلام آمن بالوحي من أوله إلى آخره وعمل به، وكان قدوة لجميع الأنام صلى الله عليه وسلم، وتبعه في هذا الإيمان المؤمنون من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ}[البقرة:٢٨٥].
والله تبارك وتعالى سمى نفسه الله، ووصف نفسه بأنه إله الحق، بمعنى المألوه الذي استحق أن يكون إلهاً واحداً في السماء والأرض، وأما ادعاء الألوهية لغير ذلك من المخلوقات فهي ادعاءات كلها كاذبة، فالله تبارك وتعالى هو الرب لا رباً سواه، وهو الإله لا إلهاً غيره، فإذا كان هو الإله وجب توجيه العبادة كلها إليه، وإذا كان هو الرب وجب الإقرار، والاعتراف، والإذعان بين يديه سبحانه وتعالى أنه الخالق، الرزاق، المدبر، لا خالق غيره، ولا رازق سواه.
فهنا بيان أن الصحابة شاركوا النبي عليه الصلاة والسلام في أصول هذا الإيمان، وأنهم آمنوا بالله كما آمنوا بالملائكة.