للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الدليل العاشر]

الآية العاشرة: وهي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، واستوى هنا متعدية بـ (على) التي تفيد الفوقية، وفسر بعض العلماء أن استوى بمعنى استولى، وهذا التأويل يفسد المعنى أيما إفساد وهو من أخطرها؛ لأن الاستيلاء يستدعي الغلبة، ويستدعي الأخذ والرد، حتى يكتب لأحد المتصارعين أو المتخاصمين الغلبة والاستيلاء، والله عز وجل كان ولم يكن أحد من خلقه، واستوى على عرشه، قبل أن يخلق السماوات والأرض، فتفسير استوى بمعنى استولى لا يعرفه العرب، إنما نعلم ولا شك أن العرش فوق السماوات السبع، ونعلم أن ربنا عندما خلق الأرض وقدر فيها أقواتها صعد إلى السماء وارتفع حتى علا واستقر على عرشه العظيم، الذي نسبه إليه في غير آية من كتابه، فهو رفيع الدرجات ذو العرش، سبحانه وتعالى.

فاستوى بمعنى استولى من التفسير الباطل، فمن كان قبل ربكم حتى يغلبه الله ثم يستولي على العرش؟ فهل من مكان لم يستول عليه الله عز وجل؟ إذا كان الله عز وجل استوى على عرشه بمعنى استولى على عرشه، أي: صار له تحكم في العرش، لا يستطيع أحد أن يغلبه ولا أن يغالبه، فلماذا العرش بالذات استولى الله عز وجل عليه، هذا وجه آخر من الوجوه العقلية للرد على من فسر استوى بمعنى استولى.

الرد الأول: أن هذا التفسير لا يعرفه العرب.

ثانياً: أن العرب فسروا استوى بمعنى العلو لا بمعنى استولى.

ثالثاً: لو كان استوى بمعنى استولى لنسبنا استيلاء الله عز وجل إلى العرش فقط، في حين أن قهر الله عز وجل، وتحكم الله عز وجل ثابت في جميع الخلق، فلماذا نخصص العرش من بين مخلوقات الله عز وجل؟ وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما أنهم يحطونها إذا دعوا إلى الأرض.

وقد قال قائلون من المعتزلة، والجهمية، والحرورية، في قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]: إنه استولى، وملك، وقهر، وأنه عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه، كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش وبين الأرض.

ونقل داود بن علي قال: كنا عند ابن الأعرابي وكان من أكابر أهل السنة، فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله ما معنى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]؟ قال: هو على عرشه كما أخبر، وهذا كان موقف السلف، كانوا يؤمنون بصفات الله عز وجل دون خوض، يؤمنون بها هكذا كما جاءت، ويؤمنون بها بلا تأويل ولا تحريف ولا تعطيل.

فقال الرجل: ليس كذلك إنما معناه: استولى، فقال ابن الأعرابي: اسكت، وما يدريك ما هذا، العرب لا تقول للرجل: استولى على الشيء، حتى يكون له فيه مضاد، فهل لله عز وجل في خلقه مضاد؟ ف

الجواب

لا، فأيهما غلب قيل: استولى، والله تعالى لا مضاد له وهو على عرشه كما أخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>