والنموذج الثالث: قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام:١٢٥]، هذه إرادة دينية شرعية، من أراد الله عز وجل له الهداية شرح صدره للإسلام، فقبله بتكاليفه، وأحكامه، وفرائضه، وسننه، ومستحباته، ومندوباته، كل ما ثبت لديه عن الله وعن رسوله قال: على العين والرأس، سمعاً وطاعة:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[النور:٥١]، فشعار المسلم أن يرفع لواء الحمد ولواء السمع والطاعة لله عز وجل، لا يقول في شيء شرعه الله: لم وكيف؟ لأن (لم وكيف) تودي بالعبد إلى الشك في أوامر الله وفي أخبار الله عز وجل، مما يؤثر على حسن إيمانه وتوحيده، إن لم يؤثر على أصل الإيمان والتوحيد.
نعم، ينبغي على المرء أن يعبد الله تبارك وتعالى على مراد الله، لا على مراده هو، إذا شرع الله عز وجل لك الظهر أربعاً والمغرب ثلاثاً، فلا تقل: لماذا شرع الله هذا، ولم اختلف العدد من المغرب إلى الظهر؟ هذه حكمة الله تبارك وتعالى، وأنت تعلم أن من أسمائه الحسنى أنه الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه بحكمة وعدل وإنصاف، فإن الله تبارك وتعالى لما شرع لك شرعه بين لك بعض الحكم من بعض الأفعال، وبعض الأقوال، وبعض الأوامر والنواهي، وأخفى عليك بعض الحكم أو جُلَّ الحكم؛ لينظر: هل تؤمن بها أم لا؟ فهناك أحكام وأمور تعبدية ينبغي للمرء إذا خفيت عنه الحكمة منها أن يقول فيها: سمعنا وأطعنا، إذا ثبت أن هذا دين الله وشرعه فعلى العين والرأس، وملء القلب كذلك، نعم ينبغي للمرء إذا خفيت عنه الحكمة أن يقول فيها:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة:٢٨٥]، إذا ثبت أن هذا دين الله وشرعه فعلى العين والرأس، وملء القلب كذلك.
نعم؛ ينبغي للمرء أن يأخذ شرع الله بالتسليم المطلق، والانقياد والإذعان التام له سبحانه وتعالى، فإذا كان الأمر كذلك فاعلم أنك قد حققت التوحيد الكامل لله عز وجل.
{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ}[الأنعام:١٢٥]، كيف يصعد في السماء؟ إن علماء الطبيعة يقولون: إن الذي يريد أن يصعد في السماء كلما صعد شيئاً ضاق نفسه، خاصة إذا اخترق هذا الحجاب أو الطبقة التي فيها الأكسجين، ودخل في الطبقات الأخر حيث يقل فيها الأكسجين، فهو يشعر أن قلبه وروحه يقتلعان من بدنه ويخرجان منه، فهو يشعر بضيق كما قال الله تعالى:{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:١٢٥].
والله تبارك وتعالى إذا علم من العبد أنه يريد الهدى هداه، ولذلك قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:١٧]، ولكن ليعلم الله تبارك وتعالى منك صدق الإخلاص واللجوء إليه، وأنك حقاً تبحث عن أسباب الهداية، وأسباب التقوى؛ فإذا كان كذلك، وعلم الله تبارك وتعالى منك الصدق في ذلك يسر لك أسباب الهداية وأسباب التقوى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا}[محمد:١٧]، لابد أن يأتي منك البحث عن السبب، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:١٧].