يقول الله تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}[النساء:١٣٠]؛ حينئذ إذا وقع الطلاق فالله تبارك وتعالى ربما هيأ لهذه المرأة رجلاً يوافقها، وهيأ لهذا الزوج امرأة توافقه، فسعد كل منهما بنكاحه الجديد، وكما أمرنا الإسلام بذلك حرم علينا الإمساك بالزوجة لأجل الضرر، قال الله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}[البقرة:٢٣١] الآية، وانتبه لهذه الآية، فقد نزلت رداً على أهل الجاهلية، كان الواحد منهم يطلق امرأته فإذا قاربت نهاية العدة أرجعها، وفي نفس اليوم يطلقها، فتعتد عدة جديدة، فإذا قاربت العدة على النهاية ردها، كأنه يقول لها: لا تحلين لي ولا لغيري، يعني: سأجعلك هكذا، لا هي زوجة ولا هي مطلقة تنتفع بزوج آخر، معلقة، ولذلك قال الله تعالى:{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء:١٢٩]، أي: كما كان الأمر في الجاهلية، فأمر الله تبارك وتعالى أن يطلقن بإحسان.
ثم أعطها حقها بما استحللت من فرجها، أما إذا كنت لا تكرهها قط، وأنت تصنع ذلك من أجل الله عز وجل، وإنما هي التي كرهتك من غير ما بأس منك، كما قالت امرأة للنبي عليه الصلاة والسلام:(يا رسول الله! طلقني من فلان، قال: أتعيبين عليه شيئاً؟ قالت: لا أعيب عليه خلقاً ولا ديناً، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فإني نظرت إليه يمشي مع فتية من قريش فإذا هو أكثرهم دمامة، وأقلهم قامة، وهو جعد، أفطس) وصارت تعدد من معايب زوجها وأن كل شباب قريش أصحابه كانوا على قمة من الجمال والطول، والنسق الجميل، وغير ذلك، فلما رأت هذا في زوجها كرهته، لكنه صاحب دين وصاحب خلق، فلما وصل الأمر إلى زوجها قال:(يا رسول الله! إنها أخذت مني حديقة كانت لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وزيادة، قال: أما الزيادة فلا، وأمره أن يطلقها تطليقة)، ولذلك إذا لم يكن بأس ولا عيب من قبل الزوج، ولكن المرأة بنفسها كرهت المقام والبقاء مع هذا الزوج من غير ما عذر ولا حرج؛ فلها أن تنصرف وتحل عقدة هذا النكاح، ولا يكون هذا النكاح وزراً على ظهرها، ولا غلاً في قدمها، وإنما جعل الإسلام لها أمرها أن تفتدي منه بماله الذي أخذته صداقاً لها دون زيادة، وفي بعض الروايات وعند بعض أهل العلم: لها أن تدفع الزيادة إذا كان بطيب خاطر منها، وأخذه بغير أن تستشرف إليه نفسه، فلها ذلك.
فقوله:((الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)) أي: مرة بعد مرة، يهيئ الجو لمراجعة كل من الزوجين نفسه، والاعتذار عما بدر منه، فإذا كان ذلك منهما، ولكن تم اللقاء بينهما بعد الطلقة الأولى وبعد الطلقة الثانية حتى وقعت الثالثة، فإن هذا البيت في الغالب لا يصلح للقيام بين هذين الزوجين، ولذلك حرمه الإسلام بعد وقوع الطلقة الثالثة وجعلها طلقة بائنة بينونة كبرى.