للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مثل المشرك كالعبد المشترك بين رجلين متشاكسين]

المثل الخامس: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩] هذا مثل رغم قلة مبناه، إلا أنه عظيم المعنى جداً، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر:٢٩] عبد اشترك فيه اثنان، كل واحد يملك نصفه، فهو عبد للاثنين، إذا قال له أحدهما: قم، قال له الآخر: اجلس، إذا قال له أحدهم: لا تفعل، قال له الثاني: افعل، أي حيرة يقع فيها ذلك العبد؟ حيرة عظيمة جداً، وطاعته لهذا السيد وذاك واجبة، وليست طاعته لأحدهما بأولى من طاعته للآخر، فإذا أمره واحد بأمر أمره الآخر بعكس ذلك، فهذا العبد في حيرة عظيمة وشقاء وتعاسة.

هذا مثل المشرك الذي أشرك مع الله تعالى آلهة أخرى؛ فإن الله أمره بالخير، والإيمان، والتوحيد، والصدق والعفاف، والنقاء، والصلاة، والصيام، والزكاة، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر الطاعات.

ولو أنه عبد مع الله الشيطان فهل يأمره الشيطان بما أمره به الله تعالى ورسوله؟

الجواب

لا، لابد وأن يأمره الشيطان بضد ذلك وخلافه، فكيف يستقيم للعبد حينئذ أن يطيع مولاه وسيده الذي في السماء وأن يطيع الشيطان؟ كيف يتسنى للعبد أن يرضي الله تبارك وتعالى مع أن ما يرضي الله لا يرضي الشيطان، والعكس بالعكس، كيف ذلك؟ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر:٢٩]، ويا ليتهم شركاء متفقون، بل هؤلاء شركاء متشاكسون، كل منهم يقف لصحابه بالمرصاد، ربما يدور في نفس الشريك الأول أن يأمر العبد بشيء معين، ولكنه إذا علم أن الشريك يأمر بنفس الشيء الذي يدور في نفسه، أمره بغير ذلك، لماذا؟ لأنه مشاكس، معاكس، فهو لا يريد أن يتفق أبداً مع شريكه الثاني في ذلك العبد.

{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر:٢٩] هذا العبد ملك لهذا السيد، وليس مع هذا السيد شريك آخر، هذا السيد يقول له: يا فلان افعل ولا تفعل: حاضر، قم ولا تقم: حاضر، كل ولا تأكل: حاضر، عبادة يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بها، بطاعة مولاه وسيده، فكذلك الله عز وجل له المثل الأعلى، لو أنك حققت العبودية الحقة لله عز وجل دون غيره من بقية الآلهة لكنت حريصاً كل الحرص على طاعة مولاك، وإن كانت هذه الطاعة فيها سخط الخلق أجمعين، لماذا؟ لأنك لا تحرص إلا على رضا الإله الحق سبحانه وتعالى.

انظروا إلى هذا المثل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر:٢٩]، لا يستويان، {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الزمر:٢٩] أنهما لا يستويان {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>