[عواقب اتباع الهوى]
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠].
وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:٤٣] أفرأيت -يا محمد- من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم.
تصور أن واحداً لم يتخذ الله تبارك وتعالى إلهاً مشرعاً حكماً عدلاً قسطاً، وإنما حكم هواه ونفسه الأمارة بالسوء، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣].
وقال تعالى: {قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام:٥٦].
يعني: لو أني اتبعت أهواءكم لكنت من الضالين، ولكن الأنبياء معصومون كما ذكرنا.
وقال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١١٩] يعني: يتبعون الهوى وهم لا يعلمون أن هذا اتباع للهوى، كمن تخصص في بدعة وتفنن فيها وناظر ونظر فيها، فصدق نفسه أنه صاحب حق وعلم؛ لأن كثيراً من الناس يكذبون كذبة ومع مرور الوقت والزمان يصدقون أنفسهم، ويحسبون أنهم على الحق المبين، وينافحون ويدافعون عن هذا الضلال على أنه الحق المبين الذي ليس بعده حق.
ولذلك قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا} [الأنعام:١١٩] ولم يقل: (وإن قليلاً من الناس) {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١١٩].
هذه العاقبة الأولى من عواقب اتباع الهوى، وهو: أن الهوى يورث الضلال.
فمتبع الهوى متكبر متغطرس بطراً للحق ولأصحابه وأهله، كما قال الله تعالى في بني إسرائيل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:٨٧] هذا الذي حدث من بني إسرائيل، أبوا رسالة الأنبياء فكذبوهم وسبوهم ولعنوهم، بل وقتلوهم، فذكر الله تبارك الله صنيعهم هذا في كتابه، فقال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ} [البقرة:٨٧]، أي: بما لا يوافق هواكم (استكبرتم) عن قبول الحق، واستنكفتم، وقمتم على الأنبياء وقتلتموهم وكذبتموهم.
قال تعالى: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة:٧٠].
اتباع الهوى يورث التكذيب قولاً وفعلاً، قال الله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنعام:١٥٠]، فمتبع الهوى مكذب لله تعالى، ولرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وقال تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:٣].
فبعد أن كذبوا اتبعوا أهواءهم، وكل أمر بعد ذلك مستقر، أي: مستقر في هواهم أنهم أصحاب الحق وليسوا كذلك، متبع الهوى قد أسلم نفسه للشيطان، وأنتم تعلمون أن المرء لا غنى له عن الله طرفة عين؛ لأن المرء إما أن يكون في معية الله ورعايته ورحمته، وتحت فضله ومشيئته، وإما أن يكون واقعاً في حبائل الشيطان، ومن كان كذلك فإنه متردد متحير متخبط هنا وهناك، ولذلك قال الله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام:٧١] هم يتصورون أنهم على الهدى، فيدعونه لماذا؟ {يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام:٧١] ائتنا، تعال، الحق بنا، فإننا على الهدى، وليسوا كذلك؛ ولذلك أعقب الله تبارك وتعالى هذا بقوله: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٧١] وليس للشيطان؛ لأن من أسلم نفسه للشيطان تحير، وضل وابتعد عن الصراط المستقيم.
وأخيراً قوله تعالى يكفينا في هذا الباب: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١].
والآيات في كتاب الله تبارك وتعالى في ذم الهوى كثيرة، وكلها مبناها على التحذير وذم الهوى.