ينبغي أن يكون للعبد بعد رمضان نصيب من كلام الله عز وجل؛ وذلك بأن تقرأ في كتاب الله عز وجل شيئاً، إذا كنت تقرأ القرآن خلال رمضان في كل ثلاث، أو في كل أسبوع، أو في كل عشر، أو في الشهر مرة، فما بالك الآن تدع القرآن جانباً، ولا تنظر إليه ولا تتذكره حتى يدخل رمضان المقبل، هذا جفاء مع الله عز وجل، ومع كلام الله تعالى، اقرءوا القرآن على أنه رسالة من الرحمن الكريم العزيز إليكم، على أنه تشريع الله تعالى إليكم، يأمركم فيه بالحلال، وينهاكم فيه عن الحرام، ويأمركم فيه بصحة الاعتقاد، وبالآداب والأخلاق وغير ذلك من سائر الصفات الكريمة، وسائر الأفعال الحميدة.
لو أتتك رسالة من حبيب وعزيز لديك فإنك ستقرؤها مرة واثنتين وثلاثاً وأكثر من ذلك؛ لعلمك أنها من حبيب عزيز عليك، فكلام الله عز وجل أغلى وأحسن وأشرف الكلام، فينبغي أن يعيش المرء مع كلام الله دائماً، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما، أما الصيام فيقول: يا رب أظمأت نهاره فشفعني فيه، ويقول القرآن: أسهرت ليله فشفعني في) لم يقل القرآن: يا رب؛ لأن القرآن ليس مخلوقاً، بل هو كلام الله عز وجل، وإنما الصيام مخلوق، فالصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما، ولو أن لك مصلحة في الدنيا وتعتقد أن فلاناً يشفع لك عند القيم على هذه المصلحة، لتذللت وتملقت له، وربما ذهبت بالرشوة بين يديك مختاراً لتقضي مصلحتك، فهذا كلام الله بين يديك شفيع لك، يقول عليه الصلاة والسلام:(ولا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء).
وقد عد أهل العلم أن من قرأ جزءاً واحداً من كتاب الله عز وجل فله بذلك ما يربو أو يزيد على (١١٣٠٠٠) حسنة في جزء واحد، فما بالك لو قرأت عشرة أجزاء في كل يوم، أو خمسة أجزاء، أو على الأقل جزءاً ولو في كل شهر، وهذا أمر يسير، لو أنك بعد كل فرض فتحت كتاب الله عز وجل، أو قرأت من حفظك ربعاً واحداً أو ربعين، فإنه سيجتمع لك في آخر النهار جزءاً أو ما يقارب الجزء، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(من قرأ مائة آية في يومه أو ليلته لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية في يومه أو ليلته كتب من القانتين).
أي شرف، بل أي دين من الديانات وشريعة من الشرائع فيها هذا الفضل، وفيها هذا الثواب العظيم الجزيل على العمل القليل؟ اقرأ كلام الله بتدبر وتفهم ولا يكن همك سرد الآيات وتقليب الصفحات، وإنما همك أن تتدبر وأن تعقل عن الله عز وجل ما قاله لك، وأرسل به النبي صلى الله عليه وسلم إليك، هذا كلام الله عز وجل.