[رواية أنس وحذيفة رضي الله عنهما]
وقال أنس: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن قدر حوضي ما بين أيلة وصنعاء اليمن)، وأيلة هي قرية بالشام.
قال: (إن قدر حوضي ما بين أيلة وصنعاء اليمن) فهذا قدر طول أو عرض حوض النبي عليه السلام؛ لأننا قلنا: إن طوله كعرضه لاستواء زواياه.
قال: (وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء) وهذا الحديث أخرجه الشيخان كسابقه.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن حوضي لأبعد ما بين أيلة وعدن).
ففي الرواية الأولى قال: (إن قدر حوضي ما بين أيلة وصنعاء اليمن) وفي الرواية الثانية يقول: أبعد من ذلك.
فهذا التقدير إنما أراد به عظم حجم الحوض طولاً وعرضاً، وما أراد أن يحدد قدره بالملي والسنتيمتر، فقال: (إن حوضي لأبعد ما بين أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء).
وفي الرواية الأولى قال: (وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء) والكاف تفيد التشبيه والمماثلة بين العدد والمعدود، ولكنه هنا أراد كذلك أن يبين كثرة هذه الأباريق، وكثرة هذه الكيزان.
قال: (والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده إني لأذود عن الرجال، أو إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الغريبة من الإبل عن حوضه).
فالنبي عليه الصلاة والسلام يضرب هنا مثلاً للتشبيه فيقول: هل رأيتم الرجل عنده الحوض وعنده الإبل، لو أن بعيراً غريبة دخلت في وسط إبله فأرادت أن تشرب من حوضه ما الذي يكون منه؟ يدفعها ويذودها ذوداً حتى لا تشرب فتفني الماء، كل ذلك من أجل أن تشرب إبله، فقال عليه الصلاة والسلام: (وإني لأذود عن الحوض رجالاً كما يذود الرجل الغريبة عن إبل).
فهنا إشعار بأن هذا لا يمكن أن يكون في الجنة، والغريب أن بعضهم قال: الحوض حوضان: واحد في الجنة وواحد في عرصات القيامة.
وليس كذلك، بل الروايات كلها تثبت أن الحوض واحد.
(قيل: وهل تعرفنا -يا رسول الله- يومئذ؟ قال: نعم.
تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم) يعني: أن يشع النور من وجهك وأنت متوضئ مصل، وليست هذه الخاصية لأحد غيركم، إنما هي لكم خاصة، والغرة هي: بياض في وجه الفرس أو في يده ورجله، بمعنى: أن يكون الفرس كله أحمر أو بنياً أو أسود وهناك خصلة من الشعر بيضاء في وجهه أو في قدمه أو يده، فلا شك أنه لو دخل فرس كهذا في وسط خيل كثيرة لعُرف هذا الخيل؛ لأنها مميزة بهذه الغرة وهذا التحجيل، فالغرة: بياض في الوجه، والتحجيل: بياض في الأطراف، سواء كانت الأطراف هذه أيدياً أم أرجلاً، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، وفي هذا الحديث: (فإنكم تردون علي غراً محجلين) أي: في وجوهكم وأيديكم وأرجلكم بياض؛ لذلك كان أبو هريرة إذا توضأ رفع كمه حتى بلغ في غسل يده إلى المنكب، وبلغ في غسل رجله إلى ركبته، فلما قيل له في ذلك قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إنكم تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء.
وأنا أحب ذلك) أي: أنا أحب أن آتي على هذه الصفة يوم القيامة.