وقال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}[المائدة:٤]، بعد أن بين الله تبارك وتعالى أنواع الخبائث التي حرمها، سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي عليه الصلاة والسلام عما أحل لهم، فقال الله تعالى:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة:٤]، أي: كل الطيبات حلال لكم، {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}[المائدة:٤].
قوله:((وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ))، أي: من الكلاب والسباع والنمور والنسور، وكل ما يمكن أن يعلم للصيد، لكن بشروط: الشرط الأول: أن يكون الكلب معلماً.
الشرط الثاني: أن ترسل أنت الكلب، ولا يذهب لوحده.
الشرط الثالث: أن تذكر اسم الله على هذا المصيد.
الشرط الرابع: ألا يمسك الكلب لنفسه؛ لأنه إن صاد لنفسه، أو إذا أرسلته أنت وذكرت اسم الله فصاد الصيد، لكنه أكل جزءاً منه أو أكله كله فلا يحل هذا الصيد؛ لأن هذا يدل على أن الكلب لم يتمرس في التعليم ولم يتم تعليمه، ولو كان معلماً لأمسك لك أنت، ولا يمسك لنفسه قط، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه، وكل مما أمسك عليك، لا مما أمسك لنفسه)، وهنا نكتة مهمة جداً، وهي: أن العلم له شرف وإن كان في الكلاب، ولذلك ميز الله تبارك وتعالى بين صيد الكلب المعلم والكلب غير المعلم، فقال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[المائدة:٤]؛ لأن الأمر فعلاً يحتاج إلى مناقشة ومخاطبة القلوب، ولأن الواحد منا ربما رأى كلبه المعلم يصطاد وأكل شيئاً من صيده، لكنه يغالط نفسه ويقول: الكلب لم يأكل شيئاً، ولذلك خاطب الله تعالى من أرسل الكلب المعلم فقال:((وَاتَّقُوا اللَّهَ))؛ لأنكم تعلمون حقيقة هذا الكلب، وحقيقة هذا الصيد، ((إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))، أي: أنكم معروضون على الله عز وجل.