والتزكية في بدايتها ونهايتها لا تخرج عن مقام تحقيق العبودية الكاملة لله عز وجل؛ لأن المرء لو علم الحلال والحرام؛ فأتى الحلال واجتنب الحرام، فهذا منتهى الطاعة، ومنتهى العبودية لله عز وجل، فهذا الذي يؤدي بالعبد إلى زكاة النفس، وهنا نقول: إن تزكية النفس تساوي العبودية الكاملة لله عز وجل، وإنما يتحقق ذلك بالحرص على إتيان الواجبات، والمستحبات، والمندوبات، وترك المحرمات والمكروهات، والقيام بتحقيق توحيد الله عز وجل وعدم إدخال الشرك أو أي شائبة شرك في هذا التوحيد الخالص لله عز وجل.
ولذلك قال الله عز وجل:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور:٢١]، لتعلم أن تزكية النفس إنما هي من الله عز وجل، ولكن ليس معنى ذلك أنك تترك أسباب هذه التزكية، بل إذا علم الله تبارك وتعالى منك الحرص والرغبة الصادقة في زكاة نفسك أعانك على ذلك، فكانت هذه التزكية مخلوقة لله عز وجل، ولكنك كنت سبباً في جلبها، أي: في جلب هذه التزكية وهذه المنفعة من الله عز وجل، ولذلك قال:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}[النور:٢١]، فهذه التزكية فضل من الله ورحمة، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور:٢١]، وقال سبحانه:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[البقرة:٢٥٧]، فالشيطان هو سبب في دس النفس وخبثها، والله تبارك وتعالى إنما أمرك بتزكية نفسك فلابد أن تسعى للأسباب المحصلة لهذه التزكية، ولذلك لا يتصور أن يقول عبد: ما دام الخير والشر من الله عز وجل، فإنني أرغب في الخير ولكنني لا أسلك له مسلكاً؛ رجاء أن يمن الله علي ابتداء، فنقول: إذا صح عندك أنك تتمنى الولد دون زواج، أو تتمنى المال دون عمل، لو صح عندك هذا فإن الجنون قد أصابك، إذ كيف تتمنى أن يكون لك ولد ولم تسع للزواج ولم يكن لك زوجة؟! لا يقول بذلك إلا إنسان مجنون؛ أنه يتمنى على الله الولد، فإذا تيسرت له سبل الحصول على الولد قال: لا أنا لا أريد الزواج، ولا أريد الارتباط بامرأة ولكني أريد الولد، وجلس في بيته ينتظر الولد من الله عز وجل.
هذا خبل وجنون! بل لابد وأن تسعى في إعداد بيت سوي، حتى ينتج عندك في النهاية ولد صالح من جراء تلك الأسرة، فلابد من اتخاذ السبب.