قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه، وما كان منهم فقيه إلا ود أن أخاه كفاه، أي: كان الداخل يدخل المسجد وهناك مائة وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم موجودين، فيسأل الأول عن مسألة معينة فيحيله إلى الثاني والثالث والرابع والعاشر، حتى يمر على المسجد كله، فيرجع إلى الأول، فلا يجد الأول بداً أن يجيب فيجيب، فهل هذه أخلاقنا الآن؟ لا، إذاً: فما هي أخلاقنا؟ إذا سئل الشيخ أو العالم في مسألة وحوله الطلاب فإن كل طالب يجيب بجواب يختلف عن جواب صاحبه، والعالم لم يجب بعد، وإنما ينظر إلى الحالة التي فيها الطلاب، والأدب الذي بلغ بطلاب العلم، وحتى وإن سأل واحداً منهم فلا يجوز له أن يجيب ما دام هناك من هو أعلم منه.
وقال ابن مسعود لـ تميم بن حذلم: يا تميم! إذا استطعت أن تكون المحدَّث فافعل.
أي: إذا استطعت أن تكون مستمعاً فافعل.
وكان معاوية بن أبي عياش جالساً عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر، فجاءهم محمد بن إياس بن بكير فقال: إن رجلاً من أهل المدينة طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، فماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما، ثم ائتنا فأخبرنا، فذهب فسألهما، فقال ابن عباس لـ أبي هريرة: أفته يا أبا هريرة؛ فقد جاءتك المعضلة.
أي: أنت صاحب المهمات الصعبة، لذا كان أبو هريرة أفقه الأمة في زمانه، ولذلك الملاحدة حرصوا كل الحرص على الطعن بالذات في أبي هريرة؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قد روى أكثر من نصف الدين، فإذا سقط أبو هريرة سقط معه نصف الدين، فتكون القضية كلها أننا ليس لنا علاقة بالدين، ويقولون: نحن كنا نتكلم عن شخص! شخص يا أعداء الله ورسوله! بل إنهم يريدون أن يسقطوا الثقة بـ أبي هريرة رضي الله عنه، وإذا سقطت الثقة به سقطت الثقة بمروياته التي تعتبر نصف الدين، وهم بذلك ليس لهم أدنى علاقة بـ أبي هريرة، ولا يهمهم من قريب ولا من بعيد الطعن في شخصه، وإنما يهمهم إسقاط هيبة الإسلام في قلوب أبنائه.
قال أبو هريرة: الطلقة الواحدة تبينها.
أي: تصير بائنة بينونة صغرى بطلقة واحدة، فإذا أراد أن يتزوجها فبعقد جديد ومهر جديد.
ثم قال: والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره.
وقال ابن عباس: إن من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون.