للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب العداوة الكفرية للمسلمين وطريق دفع كيد الكفرة عن المسلمين]

قال الله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران:١٨٦].

يبين الله عز وجل أسباب الحرب، ومواد الحرب، ثم المخرج من هذه الحرب، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٨٦] أي: هذا بلاء يقع في المال وفي النفس والبدن، ثم غداً يقع على المسامع وعلى الآذان، {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:١٨٦].

فبين الله تعالى علاج ذلك أنه بالصبر والتقوى، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:١٢٠]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤].

فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال عز وجل: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤]، يعني: هم يعلمون أنهم يستمتعون في حياتهم الدنيا فحسب، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، لا حظ لهم ولا نصيب في جنة عرضها السماوات والأرض، أما المسلم فإنه إن انتصر فاز بالغنيمة، وإن لم ينتصر ولم يرجع ببدنه ونفسه وماله فله جنة عرضها السماوات والأرض.

وقد أعد الله عز وجل للذي قتل في سبيل الله مائة درجة في الجنة، ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض.

وفي رواية: (ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام)، وهناك فضائل ومناقب أخرى للشهيد.

وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} [النساء:٤٤].

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:٥١].

تصور أن اليهود يجتمعون مع صناديد الشرك والكفر في مكة ويقولون لهم: إنكم أهدى وأقوم سبيلاً من محمد وأصحابه: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف:٥].

وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ} [المائدة:٥٩]، أي: ما تنقمون منا إلا أننا آمنا بالله وما أنزل إلينا، وآمنا بما أنزل إليكم، وآمنا بالكتب المنزلة من قبل محمد عليه الصلاة والسلام، فهل تنقمون منا إلا أن آمنا بذلك؟! وقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:٨٢].

فهؤلاء أشد الناس عداوة وضراوة على أهل الإيمان، إذا انفردوا بهم فتكوا بهم، هذا موقف اليهود وموقف المشركين وموقف سائر ملل الكفر.

وقال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢].

ومهما كره الكافرون ذلك، وقد أرادوا قولاً وفعلاً، فقد قاموا بطبع مليون نسخة محرفة من المصحف، فهم ينشرونها هنا وهناك مجاناً بغير ثمن، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [الصف:٨]، ولكن كيف وقد تكفل الله عز وجل بحفظ هذا الكتاب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، فالذي تولى حفظ الكتاب هو الله عز وجل، فلو اجتمعت قوى الشر كلها لتحريف هذا الكتاب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وقال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩]، يعني: ودوا من قلوبهم أن نكفر بالله عز وجل، وأن نخرج من ديننا، ونكون نحن وإياهم سواءً في الكفر.

وقال تعالى: {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:٢]، إذا كان هذا هو بيان الله عز وجل للكافرين من قبلنا وممن حولنا؛ فلا عجب أن تجتمع قوى الشر على قلة قليلة، ولكنها عند الله بإذنه تعالى عظيمة القدر والشأن؛ لأنها فئة استمسكت بدين ربها، ودهمت أكبر قضية بينها وبين ملل الكفر، فرفعت راية الجهاد تريد طمس معالم الكفر، وإظهار معالم الإيمان، فما راق ذلك لأهل الكفر مهما بعدت ديارهم وأوط

<<  <  ج: ص:  >  >>