للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهات حول الطلاق في الإسلام وردها]

إذا استنفد الخلاف بين الرجل والمرأة كل هذه الوسائل، فهل يمكن للعلمانيين والملاحدة والكفار في بلادنا وفي غير بلادنا أن يأتونا ببديل؟ لقد أجرينا مع الزوجة جميع الوسائل فلم ترجع عن نشوزها، فإما أن نشابه النصارى في عدم إيقاع الطلاق إلا في ظروف ضيقة جداً يتضرر لها الزوج والزوجة، فقد بلغ النشوز بين الرجل والمرأة مبلغاً عظيماً حتى صار كل واحد منهما يأبى أن يسمع اسم الآخر، فحياتهما بعد أن كانت سعيدة في أولها، أصبحت في غاية التعاسة في آخرها، فما البديل بعد استخدام كل وسائل الصلح والتأديب والتربية والإرجاع عن هذا النشوز، الإسلام يقول: الطلاق.

كما أثار الملاحدة تبعاً لأسيادهم في الشرق والغرب شبهات حول الإسلام في الزواج، أثاروا شبهات أخرى في الطلاق وفي الحدود وغيرها من سائر فروع الإسلام، فماذا قالوا عن الطلاق؟! قالوا: الطلاق عبارة عن وحشية، وحشية لماذا؟ قالوا: وحشية ولم يبينوا دليل هذه الوحشية، غير أنه زج وإلقاء بالمرأة في الشوارع والطرقات بعد أن كانت مستورة في بيتها، هذا البيت انقلب على رأسها جحيماً، فنقول: هي طلبته، واستنفذنا معها وسائل إرجاعها إلى بيتها فأبت، ونحن نتكلم عن الطلاق بعد استنفاد وسائل الصلح بينهما، لا نتكلم عنه بادئ ذي بدء، ومعاذ الله أن يكون وحشية، فهل الطلاق وحشية بعد هذا كله أم ما يفعله مجتمع الغرب الآن من الانحلال والانسلاخ من كل قانون سماوي أو حتى أرضي؟! إن الغرب يعيش إباحية لم تشهدها الجاهلية الأولى، ويعيش مرحلة تهتك وعري وإهانة للمرأة لم تبلغها المرأة في تاريخ البشرية بلغها الغرب الآن، ثم هو يتكلم عن وحشية الإسلام للمرأة في الطلاق، كما قال من قبل: إن النكاح للمرأة إنما هو حد لحريتها، فلا الحد نافع عند الغرب وأذنابهم في بلاد الإسلام، ولا الطلاق نافع كذلك، فما الذي ينفع؟ هل هذا الانسلاخ وشرب الخمر وأنك إذا سرت في شوارع أوروبا وجدت الرجال والنساء فوق بعضهم إما سكارى وإما زناة؟! هل هذا هو الذي يستقيم مع كرامة المرأة وعفتها وصيانتها وشرفها؟ أبداً.

إنه لا يقوم بذلك إلا إنسان قد انتكست فطرته تماماً، والحل بعد استنفاذ وسائل تأديب المرأة لا حل لها إلا الطلاق.

الطلاق في اللغة: الإرسال والترك.

أما في الاصطلاح: فهو حل عقدة النكاح، الطلاق هو حل الميثاق الغليظ الذي أخذ علينا في نكاح النساء، إذا انفرط عقده فإنما هو الطلاق، والطلاق ثابت بكتاب الله عز وجل وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإجماع أهل العلم، وكذلك ثابت بالمعقول، يعني: المنطق يقول هذا، المنطق يقول: امرأة سيئة الخلق، زانية، خائنة، ولا يجدي معها نصح، ولا وعظ، ولا ضرب، ولا تحكيم ولا غير ذلك، فلا يكون معها إلا الطلاق.

ويقولون أيضاً: الطلاق تشريد للأولاد، فنقول لهم: يرد على شبهتكم من زاويتين.

الزاوية الأولى: لو أننا اعتبرنا أن الطلاق موت؛ فكيف يتربى الأطفال بعد موت أبيهم أو أمهم؟ فليس الطلاق بشر من الموت، فالذي يربي أولاده في حال موت أحد الوالدين يربيهم في حال طلاق الوالدين.

الزاوية الثانية: أيهما أنفع للأولاد: أن يتربى الولد في جو مليء بالعطف والحب والحنان والود عند أحد الوالدين، أو في أحضان امرأة أخرى تزوجها أباه، أو في أحضان رجل آخر تزوجته أمه، أو يتربون في جو قد امتلأ بالتوتر، والعصبية، والسباب، والشتائم في كل صباح ومساء، أيهما أنفع وأجدى للولد؟ الأول دون الثاني.

ولذلك كل الشبهات التي أثارها الملاحدة لا تقوى على مجابهة الإسلام، بل هي أوهى من بيت العنكبوت، ولذلك لا تثبت قط أمام من عنده مسكة من علم وفهم عن الله تعالى ورسوله، فربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة عظيمة ومضرة بالغة لسوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى الحال بين الزوجين حينئذ إيقاع الطلاق، والله تعالى يقول: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة:٢٣٦]، يعني: الطلاق مشروع، وقال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:٢٢٩]، واعلم أن هذا أحد وسائل الإصلاح، يظهر هذا في كيفية إيقاع الطلاق، يقول الله تعالى: ((الطَّلاقُ مَرَّتَانِ))، إجماع أهل العلم أن المراد بذلك مرة بعد مرة، لا يقع مرتان دفعة واحدة، وإنما مرة بعد مرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>