فأول فائدة من فوائد الإيمان بأسماء الله وصفاته: أنها تقيم العبد على حسن العبادة، وحسن التقوى، وحسن المراقبة لله عز وجل، خاصة صفة العلو، فإن من آمن بأن الله تعالى مستو على عرشه، فلابد وأن يؤمن بجميع الصفات بعد ذلك؛ لأنها من جهة العقل أهون من صفة العلو، فإن العقل لا ينازع بأن يكون الله تعالى هو الحكيم، واللطيف، والخبير، ولكن ينازع في علو الله عز وجل على خلقه، فإن انطبع جدار العقل الخرب، وآمن بأن الله عز وجل في عليائه، مستو على عرشه مطلع على خلقه سهل عليه بعد ذلك أن يؤمن بكل صفة من صفاته، وبكل اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، فهذه فوائد سلوكية، عملية.
ربما يقول قائل أيضاً: لسنا بحاجة إلى هذا الموضوع خاصة في هذه الأيام؟
و
الجواب
إننا بأمس الحاجة لأن نؤمن بكل صفة من صفات الله عز وجل، وبكل اسم من أسمائه سبحانه وتعالى خاصة في هذه الأيام، فلو أن الحكام يؤمنون بأن الله تعالى هو صاحب الشرع، ولا أحد يشرع غيره، فإن من شرع للبشر وحكم بما شرع فقد كفر، وآمنوا بأن الله تعالى الذي خلق الخلق هو أعلم بهم، وهو اللطيف الخبير، لم يجرءوا على أن يشرعوا من دون الله عز وجل ولو في أتفه المسائل، فلما اختاروا أن تحل شرائع الكفر مكان شريعة الرحمن، دل بهذا على أنهم كفروا بالله، ودل ضميرهم هذا على أنهم لم يعتقدوا أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق وشرع لهم سبحانه تعالى.
فلو أن الناس آمنوا أن الله تعالى هو الحكم وهو اللطيف، وهو الخبير، وهو الذي يعلم ما يصلحهم وما يفسدهم، لسلموا وآمنوا بأنه لا حكم إلا لله، ولا شريعة إلا شريعة الله عز وجل، فلما غابت عنهم هذه المعاني الإيمانية، وحل محلها الكفر والضلال آثروا حثالات العقول البشرية على شريعة الرحمن سبحانه وتعالى.
الشاهد من هذه الكلام كله أنه يجب الإيمان بالله عز وجل عن طريق الإيمان بأسمائه وصفاته، ولو أنك تتبعت الأسماء والصفات اسماً اسماً، وصفة صفة، لوجدت في كل اسم وصفة من المعاني ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ولو علمتم ما في أسماء الله وصفاته من معان لكان وجه الأرض غير وجه الأرض الآن، ولكنه الكفر الذي حل ودب بالقلوب فغير حياة الناس، وغير البشرية، بل وغير وجهة الأرض جميعاً مما كان عليه الصحابة الذين كانوا يؤمنون بأسماء الله وصفاته، والذي أورثهم هذا أشد المراقبة وأقواها لله عز وجل، فلما غابت عنا هذه المعاني جميعاً وقعنا فيما لم يقع فيه السلف؛ لأنهم آمنوا بما لم نؤمن به نحن.