من أسباب الهلاك: الاختلاف في الكتاب، ولذلك أخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو:(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم، فوجد رجلين قد علت أصواتهما هذا ينزع بآية وذاك ينزع بآية) هذا يأتي بآية يحتج بها على إثبات القدر وهذا يأتي بآية يحتج بها على نفي القدر.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أأمرتم بهذا؟ أبعثت إليكم بهذا؟ وغضب واحمر وجهه كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن من كان قبلكم اختلفوا في الكتاب فهلكوا).
وهذا الذي ورد عن عبد الله بن عمرو ورد كذلك عن عبد الله بن مسعود في صحيح مسلم، بل وفي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(إن من كان قبلكم اختلفوا في الكتاب، فأهلكهم الله عز وجل)، ولا زلنا نجد اختلافاً وهلاكاً في القرآن الكريم بين المتفقهين في مسائل الإيمان، بل وفي مسائل العلم والعمل على السواء، فالبعض يقول: العمل ليس من الإيمان ولا يمت له بصلة: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}[الكهف:٥] نعم.
العمل إيمان، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بطاعة الله وينقص بمعصية الله، فكلما ازداد العبد من العمل والطاعة ازداد إيمانه حتى يشعر كأن قلبه يحلق في السماء السابعة، وأما إذا عمل العبد بمعصية الله ضاقت عليه نفسه، وضاق عليه قلبه كأنما يصعد في السماء، كما أخبر الله عز وجل.
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ}[الأنعام:١٢٥] يشرح صدره فينشرح ويتسع وينفتح، حتى يشعر المرء أن روحه تحلق إلى باريها، خلافاً لمن أراد الله تعالى له السفال والهوان والذل، فإنه لا يوفق للطاعة، بل يعمل بالمعصية، فإذا عمل بالمعصية سلب منه إيمانه شيئاً فشيئاً حتى يخرج الإيمان من قلبه، وربما لا يبقى فيه إلا مثقال ذرة من إيمان.
(الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) فبين النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الإيمان يتفاضل، فمنه ما هو متعلق بالقلب، ومنه ما هو متعلق بالجوارح، ومنه ما هو متعلق بالنفس وبالعمل.
وبعد هذا وجدنا من الناس من يقول: لا علاقة للعمل بالإيمان، هل الأمة الآن مع بطلان هذا القول وفساده تستحق أن تعطى هذه الرخصة -إذا كانت رخصة- مع بطلانها وفسادها؟ هل هذه الأمة في حاجة إلى تسليط أكثر مما هي عليه حتى تقول لهم: اعملوا بالمعصية؛ لأن المعصية لا تضركم، فإن هذا أخبث المذاهب في الإسلام.