البخل: هو أن تمنع ما كان مشهوداً عرفاً أنه من المروءة، وأنت قادر على ذلك.
وسبب البخل حب المال، ولحب المال سببان: الأول: حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل، وإن كان قصير الأمل وله ولد قام الولد مقام قصر الأمل، فيكون كل همه أن يجمع المال لأولاده.
الثاني: حب المال لذات المال، فهو يفرح بجمع المال، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب.
فهو يحب المال لذات المال، وفي الأخير يرحل عنه ويسأل عنه كله يوم القيامة، في الوقت الذي لم ينتفع بشيء منه، فهو في منتهى الغباء، يجمع المال ولا ينتفع منه بشيء ويسأل عنه، فأي عقل وأي قلب هذا؟ نسأل الله العافية والسلامة.
ثم إنه مع جمعه للمال لا تسمح نفسه بإخراج الواجب عليه، ولا حتى إخراج الزكاة، وهو يعلم أنه إذا مات أخذه أعداؤه، أو ضاع إن كان مدفوناً.
وحب المال لذات المال لا يمكن علاجه، ومثال ذلك: رجل أحب شخصاً، فلما جاءه رسول ذلك الشخص أحب الرسول ونسي محبوبه واشتغل بالرسول، فهذا يحب الدنانير لذاتها وينسى الحاجات، وهذا غاية الضلال.
واعلم أن علاج كل علة بمضادها ومضاد أسبابها، فيعالج حب الشهوات بالقناعة والصبر، وقصر الأمل في الدنيا بكثرة ذكر الموت، ويعالج احتياج القلب إلى غير الله بأن من خلقه خلق معه رزقه، وكم ممن لم يورث شيئاً أحسن حالاً ممن ورث، ولو أنك فقير وليس معك مال ولكنك غني بالله وبدينك، فأنت أغنى من ذلك الرجل الذي كان يعطي ولده في اليوم الواحد خمسمائة جنيه، فأنت مع فقرك أحسن منه وأغنى منه؛ لأنك غني بالله.
فهو يقدم لولده الخير ويقدم هو على الله بشر، فإن كان ولده صالحاً فالله يتولاه، وإن كان فاسقاً فلا يترك له ما يستعين به على المعاصي.
أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا.