ومنها: أن تكون الصحبة قائمة على الإخلاص لله عز وجل، فلا تصحب أحداً لمصلحة، ولا لغرض، ولا لحيازة متاع، وإنما ترعى في الصحبة صلاح الإخوان لا مرادهم، يعني: لا تراعي صاحبك هذا في ماذا يريد منك فتفعله، وإنما صاحبه لأجل صلاحك وصلاحه، لا لأجل هواه، سواء كان هذا الهوى مخالفاً أو موافقاً للشرع، فإن هذا من سوء العشرة والصحبة، يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
والعبد يحب لنفسه الصلاح والتقوى، ولا يكون العبد على غير ذلك إلا إذا كان العبد منكوس الفطرة معكوس الهداية، وقد قال أحد الحكماء: صفوة العشرة للخلق رضاك عنهم بمثل ما تعاشرهم به.
وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله: اطلب الفضل بالإفضال منك، فإن الصنيعة إليك كالصنيعة منك.
يعني: لابد أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وهذا الذي عبر الله تبارك وتعالى عنه بالإيثار في قوله:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:٩].
ولو أن رجلاً يقدم إخوانه على نفسه في ماله فهذا إخلاص في الصحبة، وأعظم ما تجد الإيثار في النوازل والملمات وأوقات الضيق، مثل السجون، فتجد الواحد يأتي لزيارة السجون ومعه الملابس والطعام والأموال والأدوية، فيتصدق به المسجون على بقية إخوانه ويؤثرهم؛ لأنه في خلوة بين هذه الجدران الأربعة مع الله عز وجل، فهو يرجع ويتوب ويراجع نفسه في كل قولة وحركة وسكنة فهو قريب من ربه، والعبد غالباً ما يقترب من ربه ويستشعر قرب ربه منه إذا نزلت به بلية، فإذا انغمس في مجتمع الشهوات والحيوانات تناسى ما كان عليه من إخلاص وقرب وإيثار لإخوانه.